البنزين تحت المجهر آخر تسعيرة رسمية ليوم 19-5-2025 . حافظت أسعار الوقود في مصر، وفي مقدِّمتها البنزين بأنواعه الثلاثة—95 و92 و80—على مستوياتها المعلَنة سابقًا منذ مراجعة لجنة التسعير التلقائي في 11 أبريل 2025، لتسجِّل استقرارًا ملحوظًا خلال تعاملات اليوم الإثنين 19 مايو 2025.
ويأتي هذا الثبات في وقتٍ تشهد فيه أسواق الطاقة العالمية تقلبات حادّة ناتجة عن توترات جيوسياسية وتغيراتٍ في معادلة العرض والطلب، وهو ما يثير تساؤلاتٍ حتمية لدى شريحة واسعة من المستهلكين وأصحاب الأنشطة الإنتاجية والخدمية عن كيفية إدارة الحكومة المصرية ملف الوقود، وحجم الدعم الذي ما زالت تتحمله الخزانة العامة للحفاظ على توازن الأسعار داخليًّا.
الأسعار الرسمية المعلَنة اعتبارًا من 11 أبريل 2025
نوع المنتج السعر/لتر أو طن تاريخ التثبيت
بنزين 95 19 جنيهًا/لتر 11 أبريل 2025
بنزين 92 17.25 جنيهًا/لتر 11 أبريل 2025
بنزين 80 15.75 جنيهًا/لتر 11 أبريل 2025
سولار 15.50 جنيهًا/لتر 11 أبريل 2025
كيروسين 15.50 جنيهًا/لتر 11 أبريل 2025
مازوت (للمصانع غير الكهرباء) 10,500 جنيه/طن 11 أبريل 2025
أسطوانة بوتاجاز منزلية (12.5 كجم) 200 جنيه 11 أبريل 2025
أسطوانة بوتاجاز تجارية 400 جنيه 11 أبريل 2025
ملاحظة مهمة: يبدأ تطبيق هذه الأسعار في جميع المحطات ومنافذ البيع منذ الساعة السادسة صباح يوم الجمعة 11 أبريل، وتظلُّ سارية حتى إشعارٍ آخر تصدره لجنة التسعير التلقائي في مراجعتها ربع السنوية المقبلة.
أولًا: لماذا استقرت الأسعار على الرغم من الزيادات العالمية؟
آلية التسعير التلقائي
تطبِّق مصر منذ عام 2019 منظومة التسعير التلقائي للمواد البترولية، والتي تُراجع الأسعار كل ثلاثة أشهر بالاستناد إلى:
متوسطات خام برنت في السوق العالمي.
سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
التكاليف المحلية (نقل، تكرير، تخرين، وتوزيع).
هامش ربح محدَّد يراعي مصالح أطراف السوق.
يُسمح للجنة برفع أو خفض السعر بنسبة ±10 % كحدٍّ أقصى منعًا لحدوث صدماتٍ مفاجئة للمستهلكين أو للموازنة العامة.
امتصاص الصدمات عبر الدعم
بالرغم من تبني الدولة سياسة تحرير تدريجي للأسعار، إلا أنّها مازالت تتحمّل دعمًا مباشرًا لبعض المنتجات—وخاصة السولار والبوتاجاز وبنزين 80 و92—من أجل حماية الشرائح الاجتماعية الأقل دخلًا، إضافةً إلى دعم القطاعات الإنتاجية كثيفة العمالة مثل الزراعة والنقل العام.
حجم الدعم اليومي: نحو 366 مليون جنيه—وفق أرقام رسمية—ما يوازي 11 مليار جنيه شهريًّا.
فجوة السعر والتكلفة: حتى مع آخر زيادة للأسعار، ظلَّت الدولة بعيدة عن تحصيل التكلفة الحقيقية، خصوصًا بعد ارتفاع كلفة الاستيراد والتكرير والشحن عالميًّا.
تنويع مصادر الاستيراد والتحوّل للطاقة النظيفة
تعتمد مصر على استيراد ما يقارب 40 % من احتياجاتها من السولار، 25 % من البنزين، و50 % من البوتاجاز.
تعمل الحكومة على تطوير قدرات التكرير المحلية وتوسيع مزيج الطاقة، بما في ذلك الغاز الطبيعي المضغوط للسيارات (CNG)، لتقليص فاتورة الواردات على المدى المتوسط.
ثانيًا: تأثير الأسعار الحالية على المستهلك والسوق
قطاع النقل والمواصلات
سعر السولار هو المحرك الأساسي لتكاليف النقل الجماعي، حيث تعتمد الحافلات وسيارات الأجرة والنقل الثقيل على السولار. تثبيته عند 15.5 جنيه يُسهم في:
تثبيت تعريفة الركوب نسبيًّا.
تفادي موجة تضخم إضافية مرتبطة بتكاليف شحن الغذاء والسلع.
القطاع الصناعي والزراعي
مازوت المصانع (10,500 جنيه/طن) يستهدف الصناعات غير المرتبطة بالكهرباء، ويمثل مدخلًا رئيسيًا لمصانع الأسمنت والطوب.
دعم الوقود الزراعي يقلّص التكاليف على المزارعين، ما ينعكس على استقرار أسعار الخضروات والفواكه نسبيًّا.
الأسر المصرية
استقرار سعر أسطوانة البوتاجاز المنزلية عند 200 جنيه يساعد في ضبط ميزانية الأسر، خاصةً في المناطق الريفية التي تعتمد على الأسطوانات بصورة أساسية.
ثبات أسعار بنزين 80 و92 يظلُّ عاملًا مهمًا لشريحة أصحاب السيارات الخاصة وأوبر وكريم.
ثالثًا: التحديات المستقبلية
تقلبات سعر الصرف: أي تراجع للجنيه أمام الدولار يرفع فاتورة الاستيراد.
اتجاهات خام برنت: استمرار التوترات في الشرق الأوسط أو قرارات خفض الإنتاج من «أوبك+» قد يدفع خام برنت إلى مستويات أعلى من 90–100 دولار للبرميل.
التوسع في النقل الكهربائي: تحتاج مصر إلى بنية تحتية قوية لمحطات الشحن وخطط حوافز لتعجيل إقبال المستهلكين على المركبات الكهربائية مما يخفّض الطلب على الوقود التقليدي.
تحسين كفاءة الاستهلاك: مبادرات إحلال التاكسي والميكروباص للعمل بالغاز الطبيعي المضغوط أو الكهرباء ستخفف الضغط على طلب البنزين والسولار، لكنها تتطلّب تمويلات ضخمة وتعاونًا وثيقًا بين القطاعين العام والخاص.
رابعًا: نظرة اقتصادية على سياسة دعم الوقود
يطرح خبراء الاقتصاد سؤالًا محوريًّا: إلى متى تستطيع الدولة تحمُّل مستويات الدعم الحالية؟
التكلفة مقابل العدالة الاجتماعية: الدعم يستهدف الفئات الأقل دخلًا، غير أنّه يستفيد منه الجميع بالتساوي، ما يُضعِف كفاءته.
بدائل الدعم النقدي: ثمة مقترحات بتحويل جزء من الدعم إلى تحويلات نقدية مباشرة للأسر الأكثر احتياجًا، وربطها ببرامج «تكافل وكرامة» مع استمرار دعم السولار بصيغته الحالية للحفاظ على استقرار النقل العام.
جدوى الاستثمار في الطاقة المتجددة: توجيه وفورات الدعم تدريجيًّا إلى مشروعات طاقة شمسية ورياح يخفّض كلفة إنتاج الكهرباء ويقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورَد.
خامسًا: التوقعات لمراجعة يوليو 2025
سيناريو استقرار السعر: إذا استقرت أسعار برنت بين 80–85 دولارًا للبرميل وبقي متوسط صرف الدولار حول 50 جنيهًا، قد تُبقي لجنة التسعير على الأسعار أو تُجري تعديلات طفيفة لا تتجاوز ±10 %.
سيناريو الزيادة: قفز برنت فوق 95 دولارًا مع انخفاض الجنيه سيُحتِّم تحريك الأسعار لأعلى لحماية الموازنة، مع الإبقاء على دعم السولار والبوتاجاز.
سيناريو الخفض: تراجع عالمي للنفط إلى ما دون 70 دولارًا قد يتيح للجنة خفض الأسعار لصالح المستهلك، لكنها ستوازن القرار بضرورة سد جزءٍ من فجوة التكلفة.
إنّ تثبيت أسعار البنزين والسولار والبوتاجاز في مصر خلال الربع الحالي يُعَدُّ خطوةً محسوبة تهدف للحفاظ على استقرار الأسواق وكبح معدلات التضخم، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد إلى بيئة سعرية واضحة تشجّع الاستثمار وتُخفِّف الضغوط المعيشية على المواطنين.
ومع ذلك، تظلّ التحديات قائمة—من تذبذب أسعار النفط عالميًّا إلى ضرورة ترشيد الدعم وتطوير مصادر طاقة بديلة—ما يتطلّب رؤيةً استراتيجية متكاملة توازن بين اعتبارات الكلفة والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية. وفي انتظار مراجعة يوليو 2025، سيبقى المستهلك المصري مُتابعًا عن كثب لأي مستجدّات قد تطرأ على جداول الأسعار الرسمية الصادرة عن لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية.