الليرة اللبنانية أمام الانهيار الكامل بعد فقدانها 98% من قيمتها . في خضم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الدول العربية، جاء انعقاد القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الخامسة بالعاصمة العراقية بغداد ليعيد تسليط الضوء على الأزمات العميقة التي تعاني منها بعض الدول الأعضاء. ومن أبرز هذه الدول، برز لبنان من جديد كمثال حيّ على أزمة اقتصادية خانقة تتطلب تضافر الجهود الداخلية والخارجية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وفي كلمة ألقاها رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام أمام القادة والزعماء العرب، كشف واقعاً مؤلماً تمرّ به بلاده، حيث صرّح بأن الليرة اللبنانية فقدت أكثر من 98% من قيمتها، في مشهد يجسّد عمق الانهيار المالي الذي ضرب الاقتصاد اللبناني خلال السنوات الأخيرة.
تحية تقدير وشكر للعراق والجامعة العربية
استهل نواف سلام كلمته بتوجيه الشكر إلى جمهورية العراق الشقيقة على استضافة أعمال القمة، مثنياً على دور الحكومة العراقية والشعب العراقي في توفير الأجواء المناسبة لنجاح الدورة الخامسة للقمة التنموية. كما أعرب عن امتنانه للأمانة العامة لجامعة الدول العربية على جهودها المستمرة في دفع مسيرة التعاون العربي المشترك، لا سيما في المجالات التنموية والاقتصادية.
ست سنوات من التحديات بين قمتي بيروت وبغداد
أشار سلام إلى أن القمة تُعقد بعد مرور ست سنوات على الدورة السابقة التي استضافها لبنان عام 2019، موضحاً أن هذه الفترة كانت مليئة بالتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي.
ومع ذلك، أكد أن لبنان ظل حريصاً على متابعة تنفيذ مقررات تلك القمة، مشيداً بالتقدم الذي تحقق في عدة ملفات، من بينها الربط الإلكتروني العربي، وتعزيز الاقتصاد المعرفي، ودعم المرأة في المجتمعات الهشّة، وتطوير استراتيجيات الأمن الغذائي والطاقة المستدامة.
الواقع اللبناني: انهيار غير مسبوق
لكن بالرغم من تلك الإنجازات العربية، لم يُخفِ رئيس الوزراء اللبناني الواقع الأليم الذي تعاني منه بلاده، قائلاً: “مر لبنان خلال السنوات الخمسة الماضية بأزمةٍ غير مسبوقة طالت مختلف جوانب الحياة فيه”.
وتطرّق في كلمته إلى أبرز ملامح هذا الانهيار، مشيراً إلى فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 98% من قيمتها، وتفكك القطاع المصرفي، والتضخم المفرط، والانهيار التام للخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصحة والتعليم.
كما أشار إلى أن نسبة الفقر في لبنان ارتفعت إلى حوالي 33%، بينما انكمش الاقتصاد الوطني بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بعام 2019. ولعلّ أحد أبرز محطات الأزمة كان انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، والذي خلف مئات الضحايا وآلاف الجرحى، بالإضافة إلى دمار واسع النطاق في العاصمة.
الخسائر لا تتوقف: تداعيات العدوان الإسرائيلي
وفي معرض حديثه عن الصدمات المتكررة التي تعرض لها لبنان، أكد سلام أن العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان زاد من حدة الانهيار، موضحاً أن هذا العدوان أسفر عن أكثر من 4000 ضحية، بالإضافة إلى تدمير واسع في البنية التحتية، وبلوغ حجم الخسائر الاقتصادية أكثر من 14 مليار دولار.
هذه الأرقام تعكس بشكل واضح حجم التحديات التي تعيق عملية التعافي، وتسلّط الضوء على الحاجة الماسة إلى دعم عربي ودولي لإعادة بناء ما دُمّر واستعادة دورة الاقتصاد الوطني.
مسار إصلاحي طموح… أم تأسيس لمرحلة جديدة؟
ورغم كل هذه الصعوبات، أكد رئيس الحكومة اللبنانية أن بلاده بدأت منذ تشكيل الحكومة في فبراير 2025 مساراً إصلاحياً شاملاً يرتكز على ثلاث أولويات: تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي، تفعيل مؤسسات الحكم الرشيد، وتنمية رأس المال البشري.
وتطرّق إلى بعض الخطوات التي تم اتخاذها على هذا الطريق، منها إقرار قانون رفع السرية المصرفية، والموافقة على مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، فضلاً عن العمل على قانون لتوزيع الخسائر المقدرة بأكثر من 70 مليار دولار.
كذلك تم اعتماد آلية جديدة لتعيين القيادات في الإدارات العامة، قائمة على الجدارة والشفافية، في خطوة وصفها نواف سلام بأنها “مرحلة تأسيسية” تهدف إلى استعادة ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي.
لبنان واستعادة الدور العربي
وفي سياق كلمته، شدد سلام على رغبة لبنان في استعادة مكانته في الحضن العربي، ليكون فاعلاً في مجالات التنمية الشاملة، مشيراً إلى أن الكفاءات اللبنانية المنتشرة في أرجاء الوطن العربي قادرة على الإسهام في نهضة جماعية عربية عادلة.
وأوضح أن لبنان يرى في التنمية الشاملة السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار المستدام، مطالباً بالتضامن العربي الفعّال في ظل التحديات الإقليمية الجسيمة مثل البطالة، وتغير المناخ، وأزمات اللاجئين، وتداعيات الحروب المتكررة.
الاستثمار في الإنسان… مفتاح المستقبل
واختتم سلام كلمته بالتأكيد على أن مستقبل المنطقة العربية يبدأ من الإنسان، وأن الاستثمار في التعليم والمعرفة والتكنولوجيا، هو الطريق الأنجع لتحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف: “نحن نؤمن بأن شبابنا وشاباتنا هم الثروة الحقيقية، وأن توسيع فرص المشاركة هو السبيل نحو تنمية عادلة ومنصفة”.
وفي ختام الكلمة، جدّد نواف سلام شكره لجمهورية العراق على دعمها المستمر للبنان، مؤكداً التزام الحكومة اللبنانية الكامل بالعمل العربي المشترك، وبناء مستقبل أفضل للمنطقة العربية.