جاءت هذه الفضيحة بعد تقارير أفادت بأن شركة باراغون الإسرائيلية التي تطور تقنيات وبرامج تجسس متقدمة قد أوقفت تعاونها مع الحكومة الإيطالية بسبب مزاعم تتعلق باستخدام برامجها للتجسس على الأشخاص الذين يعارضون الحكومة، بدلاً من استخدامها لأغراض أمنية مثل محاربة الجريمة. هذه القضية أثارت ردود فعل غاضبة على الصعيدين المحلي والدولي، وطالبت بعض الشخصيات السياسية والإعلامية بالتحقيق في الموضوع بشكل عاجل.
ردود الفعل الغاضبة والدعوات للتحقيق
واحدة من أبرز الشخصيات التي أعربت عن استنكارها للأزمة كانت ماتيو رينتسي، رئيس الوزراء الإيطالي السابق، الذي وصف الحادثة بأنها “فضيحة لا يمكن تجاهلها”، مؤكدًا أنه يجب محاسبة جميع المسؤولين عن هذه الفضيحة مهما كان منصبهم. حيث قال رينتسي إن هذه الحادثة تضر بسمعة إيطاليا وتعزز الشعور بعدم الثقة في الحكومة، ويجب أن يكون هناك تحقيق شامل لكشف تفاصيل هذه القضية بشكل كامل.
الفضيحة تفجرت بعد أن أكدت خدمة واتساب المملوكة لشركة ميتا أن برنامج التجسس التابع لشركة باراغون قد استهدف العديد من المستخدمين في إيطاليا، من بينهم صحفيون وناشطون معروفون بانتقادهم لسياسات رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني.
وقد نقلت صحيفتا “الغارديان” و”هآرتس” عن مصادر في شركة باراغون أنها قررت قطع علاقتها مع الحكومة الإيطالية بسبب عدم تصديقها لنفي الحكومة الإيطالية حول استخدام التقنيات في غير سياق تحقيقات جنائية.
رد الحكومة الإيطالية والاتهامات بالإخفاء
من جانبها، ردت الحكومة الإيطالية على هذه الادعاءات بنفي القاطع. حيث أكدت الحكومة أن برامج التجسس تم استخدامها فقط في إطار تحقيقات قانونية متعلقة بقضايا جنائية، وأن سبعة أشخاص فقط تم استهدافهم في هذا الإطار.
ولكن هذا الرد لم يكن مقنعًا للعديد من السياسيين والنشطاء، الذين طالبوا بضرورة إجراء تحقيق مستقل وشفاف لتوضيح حقيقة الأمر. هذا النفي الحكومي زاد من حدة الأزمة وفتح المجال للعديد من التكهنات حول طبيعة العلاقة بين الحكومة الإيطالية والشركة الإسرائيلية.
تداعيات داخلية واتهامات بالاستخدام غير المشروع
في ظل هذه الأزمة، لم تتوقف الردود السياسية عند مجرد الدعوات للتحقيق، بل شهدت القضية تبادلًا للاتهامات بين الشخصيات السياسية داخل الحكومة نفسها. حيث أعرب ماتيو سالفيني، نائب رئيسة الوزراء، عن اعتقاده أن هناك “تصفية حسابات” داخل أجهزة الاستخبارات الإيطالية قد تكون وراء هذه الفضيحة، إلا أنه سرعان ما تراجع عن تصريحاته في وقت لاحق وأوضح أنه لم يكن على علم بالواقعة بشكل دقيق. هذه التصريحات لم تخفف من حدة التوتر، بل أضافت المزيد من الغموض حول خلفية الحادثة.
وفي المقابل، فإن السياسيين المعارضين لحكومة ميلوني لم يقتصروا على مجرد المطالبة بالتحقيق في الموضوع، بل اتهموا الحكومة بإخفاء الحقيقة. حيث اعتبروا أن الحكومة تحاول التستر على فضيحة استخدام برامج التجسس لأغراض غير قانونية، مما يثير القلق من استخدام السلطة في قمع حرية التعبير والمعارضة السياسية.
الضغوط المتزايدة على الحكومة الإيطالية
ومع استمرار تطور القضية، تعرضت الحكومة الإيطالية لضغوط متزايدة من مختلف الأطياف السياسية والمجتمعية. الصحافة المحلية والدولية واصلت تسليط الضوء على القضية، وطالبت بالكشف عن جميع التفاصيل المتعلقة باستخدام برامج التجسس.
في الوقت نفسه، بدأت المنظمات الحقوقية الدولية في دعوة السلطات الإيطالية إلى تحمل مسؤولياتها وإجراء تحقيقات شفافة، مؤكدة أن انتهاك حقوق الأفراد في هذا السياق سيكون له تداعيات خطيرة على سمعة الدولة وأمنها الداخلي.
في النهاية، فإن هذه الفضيحة تطرح العديد من الأسئلة حول كيفية تعامل الحكومات مع التقنيات الحديثة وبرامج التجسس، ومدى احترامها لحقوق الأفراد في ظل استخدام هذه التقنيات لأغراض سياسية أو أمنية. كما تثير هذه القضية تساؤلات حول الأطر القانونية التي يجب أن تحكم استخدام مثل هذه البرامج وكيفية ضمان عدم استخدامها في انتهاك لحقوق الإنسان.
إيطاليا الآن أمام اختبار كبير؛ فإما أن تعلن عن تحقيق شامل ومفتوح يعيد الثقة في أجهزتها الأمنية، أو أن تجد نفسها في مواجهة انتقادات مستمرة قد تؤثر على استقرار الحكومة في المستقبل.