مصر في موقع استراتيجي للاستفادة من الحرب التجارية العالمية . في سياق التحولات الاقتصادية التي يشهدها العالم، أكد الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن الفترة التي قضاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الحكم شهدت تقلبات كبيرة في النظام الاقتصادي العالمي.
ورغم أن ترامب تولى منصبه في فترة قصيرة، إلا أن تصريحاته وقراراته كانت لها تأثيرات هائلة على العلاقات الاقتصادية الدولية، وأثرت بشكل سلبي على العديد من الدول والمواطنين الأمريكيين على حد سواء.
بداية الحرب التجارية العالمية
أشار الدكتور عبد المنعم إلى أن الاقتصاد العالمي في عهد ترامب سيكون أكثر ارتباكًا وتذبذبًا بسبب القرارات الحمائية التي اتخذها، والتي أدت إلى تفاقم التوترات الاقتصادية بين العديد من الدول الكبرى. وعلى الرغم من العلاقات التجارية الممتازة التي كانت تربط الولايات المتحدة بكل من المكسيك وكندا، إلا أن قرار ترامب بفرض ضريبة بنسبة 25% على واردات هاتين الدولتين إلى أمريكا أطلق شرارة حرب تجارية كان لها تبعات مباشرة على الاقتصادين الأمريكي والمكسيكي الكندي.
هذا القرار دفع الدولتين إلى فرض رسوم مماثلة على الواردات الأمريكية، مما أدى إلى نشوء حرب تجارية بدأت في التصاعد، ولكنها سرعان ما خمدت بعد أن تراجع ترامب عن قراره وأرجأ تنفيذه لشهر آخر. هذا الارتباك يعكس عدم دراسة القرارات بشكل دقيق ويبرز حالة من التخبط في سياسة الرئيس الأمريكي.
الحرب التجارية مع الصين
وأضاف الدكتور عبد المنعم السيد أن ترامب لم يتوقف عند هذا الحد، بل بدأ أيضًا حربًا تجارية مع الصين. حيث فرض رسومًا جمركية بنسبة 10% على صادرات الصين إلى أمريكا، وهو ما دفع الحكومة الصينية للرد بفرض رسوم انتقامية على مجموعة من المنتجات الأمريكية.
من أبرز هذه الرسوم ضريبة بنسبة 15% على واردات الفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة. هذا التصعيد بين أكبر اقتصادين في العالم أدى إلى تزايد حالة التضخم، وأثار حالة من الارتباك في العلاقات التجارية بين القوتين الاقتصاديتين، وأدى إلى تهديد سلاسل الإمداد العالمية التي تعتمد عليها العديد من الصناعات في مختلف أنحاء العالم.
وأكد الدكتور عبد المنعم أن السياسات الحمائية التي يتبناها ترامب ستؤدي إلى زيادة حالة عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي، وستعزز من حالة عدم اليقين في الأسواق المالية. وأوضح أن الشركات الأمريكية التي تعتمد على الواردات الصينية ستواجه زيادات كبيرة في تكاليف الاستيراد، مما سيرتد بالسلب على الأسعار للمستهلك الأمريكي.
تأثير الحرب التجارية على مصر
وعن تأثير هذه الحرب التجارية على مصر، أشار الدكتور عبد المنعم إلى أن تداعيات هذه الحرب قد تضع مصر أمام تحديات كبيرة، خصوصًا فيما يتعلق بتأثيرها على حركة الملاحة في قناة السويس، التي تعد شريانًا مهمًا للتجارة الدولية. كما توقع انخفاض تدفق الاستثمارات الأجنبية نتيجة لتداعيات الحرب التجارية التي ستؤثر سلبًا على الاستقرار الاقتصادي في العديد من دول العالم. ولكن في الوقت ذاته، يرى الدكتور عبد المنعم أن مصر قد تجد في هذه الحرب فرصة للاستفادة من التحولات الجارية على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي.
فرص مصر في الاستفادة من الحرب التجارية
أوضح الدكتور عبد المنعم أن مصر قد تكون في موقع جيد للاستفادة من الحرب التجارية العالمية على المدى الطويل. فقد يشهد العالم موجة من إعادة توزيع سلاسل الإمدادات العالمية، خاصة مع التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.
وعليه، قد تتمكن مصر من جذب الاستثمارات الصناعية من أوروبا وأمريكا، خاصة تلك التي قد تهرب من الصين نتيجة للحرب التجارية المستمرة. كما أن مصر يمكن أن تكون وجهة مثالية لتوطين التكنولوجيا الحديثة التي قد تهرب من الصين إلى دول أخرى، ما سيساهم في تعزيز الصناعات المحلية وخلق فرص عمل جديدة.
وأشار إلى أن مصر جزء أساسي من مبادرة الحزام والطريق الصينية، ما يمنحها ميزة إضافية للاستفادة من هذا التحول الاقتصادي العالمي. يمكن لمصر أن تستفيد من زيادة صادراتها، خصوصًا أن لديها العديد من القطاعات الصناعية التي يمكن أن تتوسع بشكل أكبر في ظل الظروف الراهنة، مثل قطاع الطاقة والتكنولوجيا والمنتجات الاستهلاكية.
إعادة التخطيط الاقتصادي لمصر
وفي ختام حديثه، نوه الدكتور عبد المنعم إلى أن السنوات الأربع القادمة ستكون مليئة بالتغيرات الاقتصادية على المستوى العالمي، خاصة في ظل ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من أحداث جيوسياسية متشابكة. لذلك، شدد على ضرورة أن تعيد مصر تخطيط استراتيجياتها الاقتصادية بشكل يتلاءم مع هذه التغيرات الكبيرة.
إذ ينبغي على مصر أن تستغل هذه التحديات كفرص لتحقيق نمو اقتصادي، وتحويل الأزمات العالمية إلى مكاسب استراتيجية، وهو ما قد يساهم في تعزيز مكانتها الاقتصادية على الساحة الدولية.
إذا تمكنت مصر من الاستفادة من هذه الفرص، فإنها ستكون قادرة على تجاوز الأزمات الاقتصادية العالمية بشكل أكثر قوة، والانتقال إلى مرحلة جديدة من النمو والتطور الاقتصادي.