وتعد هذه الخطوة خطوة مثيرة للجدل، حيث من المتوقع أن يتولى وزير الخزانة سكوت بيسنت، بالتعاون مع هوارد لوتنيك المرشح لمنصب وزير التجارة، قيادة جهود إنشاء هذا الصندوق الذي من المتوقع أن يتم إنشاؤه خلال 12 شهرًا من تاريخه.
عالم صناديق الثروة السيادية
صناديق الثروة السيادية هي أداة مالية تستخدمها الدول للاستثمار في أصول مالية ضخمة مثل الأسهم، العقارات، السندات، والاستثمارات البديلة. هذه الصناديق تساهم في إدارة الأموال المتاحة للاستثمار بهدف تحقيق عوائد مالية، وغالبًا ما تُستخدم الأموال المودعة فيها لدعم الاقتصاد الوطني أو تمويل مشاريع مختلفة. ورغم أن ترمب لم يقدم بعد تفاصيل دقيقة حول الصندوق، مثل مصادر التمويل أو القطاعات المستهدفة أو الجهة التي ستشرف عليه، إلا أنه اكتفى بالقول: “لدينا إمكانات هائلة”.
يعد الصندوق خطوة جديدة تدخلها الولايات المتحدة، خاصة في ظل غياب مثل هذه الصناديق على المستوى الفيدرالي. في الوقت ذاته، يبقى السؤال حول ما إذا كان إنشاء هذا الصندوق سيتطلب موافقة من الكونغرس.
وهذا ما تطرق إليه نص الأمر التنفيذي، الذي يشير إلى ضرورة تقديم خطة شاملة خلال 90 يومًا تتضمن تمويل الصندوق، استراتيجيات الاستثمار، هيكل الحوكمة، بالإضافة إلى تقييم الاعتبارات القانونية المتعلقة بإنشائه وإدارته.
غموض التفاصيل حول الصندوق
على الرغم من الإعلان عن خطة إنشاء الصندوق، لا تزال هناك الكثير من الغموض حول تفاصيله. أحمد معطي، المدير التنفيذي لشركة “في آي ماركتس”، أشار إلى أن ترمب “كعادته لم يقدم أي تفاصيل عن المشروع”، مما يثير العديد من علامات الاستفهام حول كيفية تمويل الصندوق، في ظل الانتقادات التي وجهها الرئيس الأميركي للإنفاق الحكومي الكبير والعجز التجاري لبلاده مع الدول الأخرى.
يعتقد البعض أن ترمب قد يعلن عن المشاريع الكبرى من دون تفاصيل، في محاولة لقياس ردود فعل الأسواق والمواطنين قبل اتخاذ القرارات النهائية وتعديلها بناءً على ردود الفعل تلك.
فوائد اقتصادية من صناديق الثروة السيادية
صناديق الثروة السيادية تمثل أداة رئيسية في تحقيق استثمارات ضخمة تتنوع بين الأسهم والعقارات والسندات على المستوى العالمي. دراسة أعدتها شركة “ستايت ستريت” الاستشارية أظهرت أن متوسط العائد على صناديق الثروة السيادية كان 6.1% بين عامي 2012 و2022. ورغم أن عام 2022 شهد أول خسارة في العوائد منذ 2008، إلا أن هذه الصناديق تفوقت على المؤشرات التقليدية في الأسواق.
هذه العوائد المثيرة قد تكون أحد الأسباب التي دفعت ترمب إلى التفكير في إنشاء صندوق سيادي لأميركا، حيث يعتبر خوسيه توريس، الخبير الاقتصادي في “إنتر أكتيف بروكرز”، أن ترمب يسعى لتقديم “القيمة والفوائد للشعب الأميركي” من خلال هذا الصندوق، على غرار ما تحققه صناديق الثروة السيادية في الدول الأخرى. وهو يرى أن ترمب يهدف إلى تحسين الآفاق الاقتصادية في البلاد، وتعزيز المدخرات والنمو من خلال الاستفادة من خلق الثروة.
أهداف محتملة للصندوق
بالرغم من أن التفاصيل المحددة عن الصندوق غير واضحة، إلا أن الخبير الاقتصادي خوسيه توريس يتوقع أن يتم تمويل هذا الصندوق من خلال التعريفات الجمركية أو الضرائب الفيدرالية. ومن المتوقع أن يتم توجيه استثمارات الصندوق في قطاعات استراتيجية مثل التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، الرعاية الصحية والطاقة. وذكر وزير الخزانة سكوت بيسنت أنه سيتم تحويل جزء من الأصول من الميزانية الفيدرالية إلى أموال موجهة للشعب الأميركي، وأن تلك الأصول قد تشمل أصولًا سائلة وأخرى موجودة في الولايات المتحدة.
تفكير في شراء “تيك توك”
من بين التصريحات التي أثارت اهتمامًا واسعًا هو تلميح ترمب إلى إمكانية شراء تطبيق “تيك توك” ضمن المرحلة الأولى لإنشاء الصندوق. يعتبر معطي أن هذه الخطوة قد تكون جزءًا من خطة لشراء أصول من الصين، ويشمل ذلك “تيك توك” الذي يشكل حاليًا قضية سياسية واقتصادية بين أميركا والصين. هذا التوجه قد يفتح المجال للصندوق ليتوسع بعد ذلك ليشمل استثمارات في قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا والطاقة.
خفض الإنفاق وتحقيق التوازن
الولايات المتحدة لم تحقق فائضًا في موازنتها الفيدرالية منذ أكثر من 50 عامًا، وكانت آخر مرة تم فيها تحقيق فائض في الموازنة في عام 2001. ومع العجز المزمن في الميزانية، كان الرئيس ترمب قد تعهد بتخفيض الإنفاق الحكومي، ما دفعه لإنشاء إدارة الكفاءة الحكومية التي يقودها أحد داعميه البارزين، إيلون ماسك. هذا يثير تساؤلات حول كيفية تمويل هذا الصندوق في ظل هذا العجز الكبير.
رغم ذلك، يرى خوسيه توريس أن تمويل الصندوق قد يكون ممكنًا من خلال تقليص بعض النفقات الفيدرالية، مع إمكانية أن يبدأ الصندوق برأسمال صغير. إذا تحققت عوائد جيدة على المدى الطويل، فإن ذلك يمكن أن يبرر هذه الخطوة من الناحية الاقتصادية.
تجارب دولية وسابقة أميركية
الولايات المتحدة ليست الوحيدة التي تفكر في إنشاء صندوق سيادي، بل إن بعض الولايات الأميركية تمتلك بالفعل صناديق مشابهة. على سبيل المثال، ولاية ألاسكا لديها صندوق سيادي تأسس في عام 1976 ويسيطر حاليًا على أصول بقيمة 82 مليار دولار.
كذلك، تملك ولاية نورث داكوتا صندوقًا يسيطر على أصول تصل قيمتها إلى 11.5 مليار دولار. يمكن أن تكون هذه النماذج بمثابة نقطة انطلاق لإدارة ترمب في بناء هذا الصندوق السيادي، خاصة في ظل توفر الكثير من الأمثلة الناجحة في بعض الولايات الأميركية التي تمول صناديقها من عائدات النفط والغاز.
إن إنشاء صندوق ثروة سيادي أميركي يمثل خطوة جديدة في عالم الاقتصاد الأميركي، ويعكس رغبة ترمب في استخدام هذا الصندوق لتوجيه أموال الاستثمارات نحو قطاعات استراتيجية تسهم في تحقيق عوائد اقتصادية مستدامة.
ورغم غموض التفاصيل حول كيفية تمويل الصندوق وطبيعته، فإن هذه الخطوة قد تعزز القدرة الاقتصادية للولايات المتحدة في المستقبل. ومع استمرار الجدل حول هذه القضية، يظل السؤال مفتوحًا حول كيفية تنفيذ هذه الخطط ومدى تأثيرها على الاقتصاد الأميركي والعالمي.