الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek يُنذر بتغيير موازين صناعة التكنولوجيا الأمريكية . في الآونة الأخيرة، شهد العالم تطورًا ملحوظًا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تصدرت الصين المشهد بإطلاق نموذج جديد من الذكاء الاصطناعي تحت اسم “DeepSeek”. وقد أثار هذا التطور ردود فعل واسعة، وخاصة في الولايات المتحدة، حيث حذر الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب من أن هذا النموذج الجديد يمثل تهديدًا كبيرًا لصناعة التكنولوجيا الأمريكية.
في حديثه من ولاية فلوريدا، أشار ترامب إلى أن هذه الخطوة من الصين يجب أن تُعتبر “جرس إنذار” لصناعة التكنولوجيا في أمريكا. هذا التحذير يأتي في وقت حساس بالنسبة للولايات المتحدة التي كانت تقود عالم التكنولوجيا والابتكار لسنوات طويلة.
من خلال تصريحاته، أعرب ترامب عن قلقه البالغ حيال تأثير هذا النموذج الصيني الجديد على الأسواق الأمريكية، مشيرًا إلى أنه رغم أن انخفاض تكلفة الذكاء الاصطناعي وتسارع تطوره يعد تطورًا إيجابيًا في مجال التقدم التكنولوجي، إلا أنه في نفس الوقت يشكل تهديدًا اقتصاديًا كبيرًا. فهذا النموذج الصيني الجديد، الذي يمتاز بتكلفة تطوير أقل واستخدام رقائق وبيانات أكثر كفاءة مقارنة بنماذج الشركات الأمريكية الرائدة، قد يؤدي إلى تحول كبير في موازين القوة في صناعة الذكاء الاصطناعي.
أثر هذا التقدم الصيني لم يكن مقتصرًا فقط على التصريحات السياسية، بل امتد إلى أسواق المال. فقد سجلت الأسواق الأمريكية ردود فعل عنيفة تجاه الأخبار المتعلقة بإطلاق “DeepSeek“، حيث شهدت أسواق الأسهم تراجعًا كبيرًا.
على سبيل المثال، انخفض مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 5%، بينما تراجع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 2.4%. هذا التراجع يعكس المخاوف الكبيرة التي يشعر بها المستثمرون بشأن التأثير السلبي لهذا التقدم التكنولوجي الصيني على الشركات الأمريكية العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي.
من جانب آخر، يعكس هذا التراجع في أسواق المال مخاوف المستثمرين من أن النموذج الصيني قد يهدد الهيمنة التقليدية للشركات الأمريكية على هذا القطاع الحيوي. وبالرغم من أن الشركات الأمريكية مثل “غوغل” و”أمازون” و”مايكروسوفت” كانت قد أسست نفسها كقادة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلا أن دخول الشركات الصينية إلى هذا المجال، مع تقنيات جديدة قد تكون أكثر كفاءة من الناحية الاقتصادية، قد يغير قواعد اللعبة بالكامل.
يُعتبر الذكاء الاصطناعي أحد أبرز المجالات التي تسعى دول العالم إلى الهيمنة عليها، نظرًا لتأثيراته العميقة على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. من المتوقع أن يكون لهذا المجال تأثيرات هائلة على المستقبل من حيث تحسين الإنتاجية، وتطوير الأنظمة الطبية، وحتى تحسين البنية التحتية للمدن الذكية. لكن التحدي الأكبر يكمن في السباق العالمي لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى كل من الصين والولايات المتحدة إلى التفوق على بعضها البعض.
وفي سياق هذه التحديات، أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب عن استثمار ضخم بقيمة 500 مليار دولار في مشروع جديد يسمى “ستارغيت“، يهدف إلى بناء بنية تحتية متطورة للذكاء الاصطناعي. المشروع سيتضمن التعاون مع شركات كبيرة مثل “سوفت بنك” و”أوراكل” و”أوبن إيه آي”. ويهدف هذا المشروع إلى تعزيز قدرة الولايات المتحدة على منافسة الصين والدول الأخرى في هذا المجال، حيث يتضمن توفير 100 ألف فرصة عمل جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
الاستثمار في مشروع “ستارغيت” يعد خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز ريادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي. كما أن هذه الخطوة تعكس رغبة الولايات المتحدة في استعادة هيمنتها في هذا المجال بعد التقدم الذي حققته الصين.
كما أن ترامب شدد على ضرورة أن تركز الولايات المتحدة على تطوير البنية التحتية لتقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر من أي وقت مضى. فقد أشار إلى أن المنافسة في هذا المجال ليست سهلة، وأن الولايات المتحدة تحتاج إلى موارد هائلة للمحافظة على مكانتها الريادية.
يُعتبر مشروع “ستارغيت” بمثابة الرد الأمريكي الرسمي على تهديد “DeepSeek“، حيث يسعى لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بطريقة تجعلها أكثر كفاءة وفعالية مقارنة بما هو موجود حاليًا في السوق. بالإضافة إلى ذلك، يهدف المشروع إلى تحفيز الابتكار داخل الولايات المتحدة من خلال خلق فرص جديدة للبحث والتطوير في هذا المجال.
مع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا المشروع سيحقق النتائج المرجوة، في ظل المنافسة الشديدة من الصين وغيرها من الدول المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي. ولكن من المؤكد أن الولايات المتحدة تأخذ هذه المنافسة على محمل الجد، وأن هناك توجهًا حكوميًا قويًا لزيادة الاستثمارات في هذا المجال الحيوي.
وفي الختام، يشير هذا التصعيد في التنافس بين الصين والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي إلى تحول جذري في موازين القوة الاقتصادية العالمية. إن النموذج الصيني “DeepSeek” قد يكون بمثابة المحرك لتغيير قواعد اللعبة، لكن الولايات المتحدة تحاول الرد بخطوات استراتيجية تعكس حجم التحديات التي تواجهها في الحفاظ على ريادتها التكنولوجية.
إن السباق في هذا المجال ليس فقط سباقًا على التفوق التكنولوجي، بل هو سباق أيضًا على الهيمنة الاقتصادية العالمية في المستقبل، حيث أن الذكاء الاصطناعي سيشكل العمود الفقري للكثير من الصناعات والمجالات في السنوات القادمة.