وزير الثقافة يشرح كيفية تخطي المبدعين لقلقهم من الذكاء الاصطناعي . الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم أحد أكثر المواضيع تداولا في جميع مجالات الحياة، وتختلف الآراء حول تأثيره سواء كان في المجال الفني، العلمي، الاجتماعي، أو حتى الثقافي.
مع تقدم التكنولوجيا، أصبحت مفاهيم مثل الذكاء الاصطناعي، التعلم الآلي، والبيانات الضخمة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ما يضع الكثير من التحديات أمام الأفراد والمجتمعات على حد سواء. في هذا السياق، يأتي دور الدولة والمجتمع في تنظيم هذا المجال الناشئ لتحقيق أقصى استفادة منه مع الحفاظ على القيم الإنسانية.
أدرك الدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة، أهمية هذه التقنيات الحديثة في تطوير المجالات الثقافية والفكرية، وهو ما دفعه للحديث عن دور المجلس الأعلى للثقافة في هذه العملية. حيث أكد على ضرورة الاهتمام بدراسة التطورات التكنولوجية الحديثة من أجل تحقيق استفادة شاملة لجميع المجالات، بما في ذلك المجال الثقافي.
وقد قام المجلس بتشكيل لجنة مختصة لدراسة القضايا المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، هذه اللجنة ستعمل على التعاون مع نخبة من المثقفين والخبراء في مجال التكنولوجيا لوضع استراتيجيات وتوجيهات علمية في كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في الأطر الثقافية بشكل يعزز من إنتاج الفكر الإبداعي.
في مقابلة مع الإعلامي أسامة كمال عبر برنامج “مساء dmc“، أكد وزير الثقافة على أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تطور تكنولوجي بل هو حقيقة قائمة وقوة لا يمكن تجاهلها. وقد أشار إلى أن تحدي المجتمع اليوم يكمن في كيفية تنظيم هذه التقنيات المتقدمة وضبط استخدامها بما يحقق التوازن بين الاستفادة منها وبين الحفاظ على قيم الإنسان وثقافته. وأوضح أن مثل هذه التقنيات تحتاج إلى إطار قانوني ومنهجي يضبط استخدامها في مجالات مثل التعليم، الفنون، والإعلام.
وذكر الوزير في حديثه مثالاً على استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال الأكاديمي، مشيرًا إلى أن الجامعات المصرية تعتمد تقنيات حديثة للكشف عن نسب الاقتباس في الأبحاث العلمية. هذه التطبيقات تعتبر مثالًا على كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لضمان النزاهة الأكاديمية في المؤسسات التعليمية، وهو أمر يساهم بشكل كبير في تشجيع بيئة من الشفافية والمصداقية بين الطلاب والباحثين. هذا الاستخدام يوضح كيف يمكن توظيف هذه التكنولوجيا لتحسين معايير العمل العلمي والأكاديمي.
فيما يتعلق بالمخاوف التي يبديها المبدعون تجاه الذكاء الاصطناعي، أوضح الدكتور هنو أن هذه المخاوف عادة ما تكون نتيجة لنقص المعرفة الدقيقة بهذه التقنية. حيث أشار إلى أن معظم المبدعين لا يفقهون الأبعاد المختلفة لتأثير الذكاء الاصطناعي على مجالات الإبداع، مثل الأدب، الفنون، والسينما. ولذلك، دعا الوزير إلى ضرورة تعزيز الوعي بين المبدعين من خلال ورش العمل والدورات التدريبية التي تهدف إلى رفع مستوى الفهم حول الذكاء الاصطناعي وكيفية توظيفه في أعمالهم.
وأوضح أن هناك حاجة ماسة لمساعدة المبدعين على تخطي هذا التردد والخوف من التكنولوجيا، وأن التعليم والتدريب المستمر يمكن أن يكونا حلاً فعالًا في مواجهة هذه التحديات. وأكد الوزير أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي لا يتطلب فقط المعرفة التقنية، بل يتطلب أيضًا فهمًا أعمق للذكاء الاجتماعي والمعرفي. على سبيل المثال، لا يكفي أن يمتلك المبدع القدرة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بل يجب أن يكون قادرًا على دمج هذه الأدوات في عمله الإبداعي بطريقة تعزز من قدراته الفنية وتنفتح أمامه آفاقًا جديدة من الابتكار.
وقال الدكتور أحمد هنو إن التقدم في أي مجال، سواء كان ذلك في الثقافة أو التكنولوجيا أو غيرها، لا يعتمد فقط على اكتساب المعرفة التقنية أو الفكرية، بل أيضًا على قدرة الأفراد على التفاعل مع المجتمع من خلال الذكاء الاجتماعي. فالمبدع الذي يملك القدرة على فهم السياقات الاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها يستطيع استخدام التقنيات الحديثة بشكل فعال يعزز من فكرته ويخدم المجتمع بشكل أوسع.
ولذا، نجد أن النجاح في دمج الذكاء الاصطناعي مع الإبداع الفني والثقافي يتطلب موازنة دقيقة بين القدرة على التعامل مع هذه التقنية الحديثة وبين القدرة على استيعاب تأثيراتها الاجتماعية. ففي الوقت الذي يفتح فيه الذكاء الاصطناعي آفاقًا واسعة أمام المبدعين لخلق أفكار جديدة وتنفيذ مشاريع مبتكرة، إلا أنه يتطلب أيضًا ضمان أن هذه المشاريع لا تخرج عن سياقاتها الثقافية أو تضر بالإنسانية.
وفي ضوء هذا الفهم، أكّد الوزير على ضرورة أن يكون للمبدعين دور في تشكيل استخدامات الذكاء الاصطناعي في المستقبل، وليس مجرد التفاعل مع التقنية على أنها أداة مفروضة. يجب أن يكون المبدعون هم من يقودون عملية تحديد كيف يجب أن تستخدم هذه الأدوات في أعمالهم، وكيف يمكن أن تكون التقنية جزءًا من تطوير الفنون والآداب بدلاً من أن تحل محلها.
وختامًا، إن رحلة التعامل مع الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في مجالات الثقافة والإبداع ليست رحلة سهلة، بل تتطلب جهداً مشتركًا بين الحكومات والمبدعين والمجتمع الأكاديمي من أجل ضمان الاستخدام الأمثل لهذه التكنولوجيا. وبينما يبقى الذكاء الاصطناعي أداة قوية قادرة على إحداث ثورة في مختلف القطاعات، يجب أن نكون حذرين في كيفية تطبيقه بما يتماشى مع قيم الإنسانية والتنوع الثقافي، وأن نستثمر هذه التقنية في تمكين المبدعين ودعم إنتاجهم الفكري والثقافي بما يعود بالنفع على المجتمع بأسره.