في هذا السياق، يعتبر مشروع توريق شركة «وان فاينانس» لخدمات التمويل الاستهلاكي خطوة بارزة، حيث شاركت فيه بنوك كبيرة مثل البنك التجاري الدولي (CIB) وبنك المؤسسة العربية المصرفية (ABC) في إصدار سندات توريق بقيمة 679 مليون جنيه، وهو جزء من برنامج توريق موسع يصل إلى 3 مليارات جنيه. هذا التحرك يشير إلى تطور ملحوظ في قدرة المؤسسات المالية في مصر على مواجهة تحديات التمويل وتنشيط السوق المالي.تم إصدار السندات لتغطية محفظة الحقوق المالية الخاصة بشركة «وان فاينانس»، التي تقدم مجموعة من الخدمات في قطاع التمويل الاستهلاكي، مثل القروض الشخصية والتمويل الاستهلاكي للأفراد.
هذه الخطوة تعكس تطورًا في السوق المصري، حيث تعمل الشركات الكبرى على تنويع مصادر التمويل باستخدام آليات مبتكرة مثل التوريق التي تتيح تحويل الأصول المستقبلية إلى سيولة نقدية يمكن استخدامها في تمويل مشاريع جديدة، وبالتالي تعزيز الاقتصاد المحلي.
حصة بنكي ABC والتجاري الدولي في الإصدار
تجدر الإشارة إلى أن بنكي المؤسسة العربية المصرفية (ABC) والبنك التجاري الدولي (CIB) قد استحوذا معًا على 44.4% من إجمالي قيمة إصدار السندات البالغة 679 مليون جنيه. حيث تمكن بنك المؤسسة العربية المصرفية من الاستحواذ على 19% من إجمالي الاكتتاب، بينما حصد البنك التجاري الدولي (CIB) حصة أكبر بلغت 25.4%. إن هذا التوزيع يبرز دور البنوك الكبيرة في مصر في ضمان استقرار سوق الأوراق المالية والتوسع في تمويل المشاريع من خلال آليات التوريق.
إلى جانب مشاركة البنوك، حصلت الصناديق الاستثمارية على الجزء الأكبر من الإصدار، حيث استحوذت على 55.6% من الحصة الإجمالية. يوضح هذا توزيع المخاطر بشكل جيد بين البنوك والصناديق الاستثمارية، مما يعكس قدرة المؤسسات المالية على توزيع المخاطر وضمان عدم تأثر السيولة العامة بشكل كبير عند حدوث أي تقلبات اقتصادية. يساهم هذا النوع من التعاون في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، حيث يسهم القطاع الخاص في تمويل مشاريع استهلاكية متعددة تتناسب مع احتياجات الأفراد.
تفاصيل الإصدار: الشريحة الأولى والثانية والثالثة
شهد الإصدار تقسيم السندات إلى ثلاث شرائح، كل شريحة ذات تصنيف ائتماني مختلف، مما يتيح للمستثمرين فرصة الاستثمار وفقًا لرغباتهم في المخاطر والعوائد. الشريحة الأولى (A) بلغت قيمتها 198.9 مليون جنيه، وتم تصنيفها بـ(P1)، وهو التصنيف الأعلى، ما يعني أنها الأقل خطرًا في الإصدار، وبالتالي تعتبر أكثر جاذبية للمستثمرين المحافظين.
أما الشريحة الثانية (B)، التي تبلغ قيمتها 244.4 مليون جنيه، فتم تصنيفها بـ(AA)، وهي تعتبر أقل أمانًا من الشريحة الأولى ولكنها تقدم عوائد أعلى، مما يجعلها جذابة للمستثمرين الذين يسعون للحصول على عوائد أكبر. في النهاية، الشريحة الثالثة (C)، التي تبلغ قيمتها 235.7 مليون جنيه، تم تصنيفها بـ(A)، وهو تصنيف يعكس خطرًا أعلى وعائدًا محتملاً أكبر.
إن تقسيم السندات إلى شرائح مختلفة يعكس استراتيجية توريق مرنة تهدف إلى جذب شرائح متعددة من المستثمرين بناءً على تفضيلاتهم المالية. كما أن التصنيفات الائتمانية التي تم الحصول عليها من شركة مريــس، المختصة في تصنيف الائتمان في منطقة الشرق الأوسط، تساعد في توفير مستوى من الثقة في السوق وتسمح للمستثمرين بتقييم المخاطر بشكل أفضل.
دور الجهات القانونية في عملية التوريق
لم تقتصر عملية إصدار السندات على البنوك والصناديق الاستثمارية فقط، بل كانت هناك أيضًا مشاركة نشطة من قبل الجهات القانونية التي ساهمت في ضمان الشفافية واتباع المعايير القانونية الصارمة.
في هذا السياق، لعب مكتب «الدريني وشركاه» للمحاماة والاستشارات القانونية دورًا محوريًا في إنهاء عملية إصدار السندات لصالح شركة «وان فاينانس»، حيث قدم استشارات قانونية متميزة لضمان الامتثال لكافة اللوائح المحلية والدولية.
وعلى الرغم من الأهمية البالغة للجانب القانوني، كان للبنك التجاري الدولي دور مميز في الإشراف على العملية بأكملها، حيث قام بدور مروج الاكتتاب والمستشار المالي، بالإضافة إلى دوره كمدير للإصدار وضامن لتغطية الاكتتاب. وبهذا، أكد البنك التجاري الدولي التزامه بتقديم حلول مالية مبتكرة لدعم النمو الاقتصادي.
من جهة أخرى، قام مكتب «بيكر تيلي» بقيادة فريق من المحاسبين القانونيين، بمن فيهم محمد هلال وحيد عبد الغفار، بمراقبة حسابات الإصدار والتأكد من تطابقها مع المعايير المالية والتنظيمية المعتمدة من قبل الجهات الرقابية في مصر. هذا الدور الرقابي يسهم في تعزيز الثقة في السوق المالي ويطمئن المستثمرين إلى أن الإصدار تم بطريقة قانونية وسليمة.
تأثير التوريق على سوق الأوراق المالية في مصر
تعد عملية التوريق هذه واحدة من أبرز الخطوات التي تم اتخاذها لدعم سوق الأوراق المالية في مصر، حيث تساهم في تعزيز السيولة المالية وفتح آفاق جديدة للتمويل عبر أسواق الدين. وتعتبر هذه العملية نموذجًا ناجحًا يمكن أن يتم تكراره في المستقبل في العديد من القطاعات الأخرى مثل القطاع العقاري والتجاري، مما يساهم في تقوية الاقتصاد المصري.
وفي هذا السياق، أشار الخبراء الماليون إلى أن التوريق يعد من الأدوات التمويلية المثلى لتمويل المشاريع الكبرى والمساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي. فمن خلال توريق الأصول المالية، يمكن للشركات الكبيرة جذب رأس المال اللازم لمواصلة التوسع في مشاريعها وابتكاراتها، بما يعود بالنفع على السوق المصري بشكل عام.
عملية التوريق التي قامت بها شركة «وان فاينانس»، بمشاركة بنكي ABC والتجاري الدولي، تمثل نموذجًا مهمًا لتفعيل سوق الأوراق المالية في مصر وزيادة قدرة المؤسسات المالية على استقطاب الاستثمارات.
كما أن هذا النموذج يساهم في توفير السيولة المالية، مما يتيح للشركات تنفيذ مشاريعها وتوسيع نطاق خدماتها بشكل أكبر. من خلال التنسيق بين البنوك، الصناديق الاستثمارية، والمكاتب القانونية، يتم ضمان نجاح هذه العمليات المالية، مما يعزز الثقة في السوق المالي المصري ويحفز المزيد من المستثمرين على التفاعل مع الفرص المالية الجديدة.
إجمالًا، تعكس هذه العملية الجهود المستمرة لتعزيز الاستدامة المالية في مصر، وتساهم في تحفيز الاقتصاد الوطني عبر تفعيل الأدوات المالية الحديثة، مثل التوريق، التي تسهم في دفع عجلة التنمية وتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي.