قصه رحله الإسراء والمعراج كامله حيث تحتفل الأمة الإسلامية بذكرى الإسراء والمعراج, هذه الذكرى التي ستظل المصدر الذي يتشرب منها المسلمون الدروس والعبر ,وستظل الجرس الذي يذكرهم دائماً بدورهم تجاه انفسهم واتجاه دينهم واتجاه الناس جميعاً ,هذه الذكرى التى وقفت امامها العقول حائرة, معجزة جعلت اعداء الإسلام واقفين امامها بين مشكك ومصدق ليأتى قول الله ويحسم هذه القضية فيقول سبحانه وتعالى: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الي المسجد الأقصى الذي باركنا حوله” وقوله تعالي “ما زاغ البصر وما طغي”.
قصه رحله الإسراء والمعراج كامله
يؤمن المسلمون بإن الاسراء والمعراج وهو ما حدث مع النبي محمد اذ اسري به ليلا من مكة إلى بيت المقدس في فلسطين ، أي إنتقل ليلا من مكة إلى القدس ، ثم عرج به إلى الملآ الآعلى عند سدرة المنتهى ، أي صعد إلى السماء . ويذكر القرآن الحادثة في مطلع سورة الاسراء “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله”. ويذكر أن جدلاً قد ثار بين العرب آنذاك عندما أفضى رسول الإسلام لمن حوله بتلك الحادثة التي استغرقت النبي ليلة ذهب بها من مكة المكرمة إلى القدس ومنها إلى السماء السابعة، ويؤمن المسلمون إيماناً قاطعاً بتلك الحادثة رغم استحالة القيام بها إذا أخذوا بعين الإعتبار قوانين الفيزياء والحركة اما امام قوة الله سبحانه وتعالى….فليس هناك مجالا للقوانين اذ ((انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون)).
روايات المعراج
قال ابن إسحاق: كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه صلى الله عليه وسلم، عن عبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاوية بن أبي سفيان، والحسن بن أبي الحسن البصري، وابن شهاب الزهري، وقتادة وغيرهم من أهل العلم، وأم هانئ بنت أبي طالب، ما اجتمع في هذا الحديث ، كل يحدث عنه بعض ما ذكر من أمره حين أُسري به صلى الله عليه وسلم ، وكان في مسراه ، وما ذكر عنه بلاء وتمحيص ، وأمر من أمر الله عز وجل في قدرته وسلطانه ، فيه عبرة لأولي الألباب ، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق ، وكان من أمر الله سبحانه وتعالى على يقين ، فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء ، ليريه من آياته ما أراد ، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم، وقدرته التي يصنع بها ما يريد .
رواية عبدالله بن مسعود عن الإسراء
فكان عبد الله بن مسعود – فيما بلغني عنه – يقول : أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق – وهي الدابة التي كانت تحُمل عليها الأنبياء قبله، تضع حافرها في منتهى طرفها – فحُمل عليها ، ثم خرج به صاحبه، يرى الآيات فيما بين السماء والأرض، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمُعوا له، فصلى بهم. ثم أُتي بثلاثة آنية، إناء فيه لبن، وإناء فيه خمر، وإناء فيه ماء. قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فسمعت قائلا يقول حين عُرضت علي: إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته، وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته، وإن أخذ اللبن هُدي وهديت أمته. قال : فأخذت إناء اللبن، فشربت منه، فقال لي جبريل عليه السلام : هُديت وهديت أمتك يا محمد .
رواية الحسن عن مسراه صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق: وحُدثت عن الحسن أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم في الحجر، إذ جاءني جبريل ، فهمزني بقدمه، فجلست فلم أر شيئا ، فعدت إلى مضجعي، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه، فجلست ولم أر شيئاً، فعدت إلى مضجعي، فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه، فجلست، فأخذ بعضدي، فقمت معه، فخرج بي إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض، بين البغل والحمار، في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه، يضع يده في منتهى طرفه، فحملني عليه، ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته.
رواية قتادة عن مسراه صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق : وحُدثت عن قتادة أنه قال : حُدثت أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : لما دنوت منه لأركبه شَـمَس ، فوضع جبريل يده على مَعرفته ، ثم قال : ألا تستحي يا براق مما تصنع، فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه . قال : فاستحيا حتى ارفضّ عرقا، ثم قر حتى ركبته.
عودة إلى رواية الحسن
قال الحسن في حديثه : فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومضى جبريل عليه السلام معه ، حتى انتهى به إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء ، فأمَّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ، ثم أُتي بإناءين ، في أحدهما خمر ، وفي الآخر لبن . قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إناء اللبن ، فشرب منه ، وترك إناء الخمر. قال : فقال له جبريل : هديت للفطرة ، وهديت أمتك يا محمد ، وحرمت عليكم الخمر. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر . فقال أكثر الناس : هذا والله الإمْر البين ، والله إن العير لتطرد ، شهرا من مكة إلى الشام مدبرة، وشهرا مقبلة ، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ، ويرجع إلى مكة ! قال : فارتد كثير ممن كان أسلم ، وذهب الناس إلى أبي بكر ، فقالوا له : هل لك يا أبا بكر في صاحبك ، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة . قال : فقال لهم أبو بكر : إنكم تكذبون عليه ؛ فقالوا : بلى ، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس ؛ فقال أبو بكر : والله لئن كان قاله لقد صدق ، فما يُعجبكم من ذلك ! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدّقه ، فهذا أبعد مما تعجبون منه ، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نبي الله ، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال : نعم ؛ قال : يا نبي الله ، فصفه لي ، فإني قد جئته – قال الحسن : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرُفع لي حتى نظرت إليه – فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر ، ويقول أبو بكر : صدقت ، أشهد أنك رسول الله ، كلما وصف له منه شيئا ، قال : صدقت ، أشهد أنك رسول الله ، حتى إذا انتهى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : وأنت يا أبا بكر الصديق ؛ فيومئذ سماه الصديق. قال الحسن: وأنزل الله تعالى فيمن ارتد عن إسلامه لذلك : ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ، والشجرة الملعونة في القرآن، ونخوفهم، فما يزيد إلا طغيانا كبيرا ) . فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما دخل فيه من حديث قتادة .
رواية عائشة عن مسراه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : حدثني بعض آل أبي بكر : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول : ما فُقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله أسرى بروحه.
رواية معاوية عن مسراه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس : أن معاوية بن أبي سفيان ، كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : كانت رؤيا من الله تعالى صادقة . وصفه صلى الله عليه وسلم لإبراهيم وموسى وعيسى قال ابن إسحاق : وزعم الزهرى عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى حين رآهم في تلك الليلة ، فقال : أما إبراهيم ، فلم أر رجلا أشبه قط بصاحبكم ، ولا صاحبكم أشبه به منه ؛ وأما موسى ، فرجل آدم طويل ضرب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة ؛ وأما عيسى بن مريم ، فرجل أحمر ، بين القصير والطويل ، سبط الشعر ، كثير خِيلان الوجه ، كأنه خرج من ديماس ، تخال رأسه يقطر ماء ، وليس به ماء ، أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي .
علي يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن هشام : وكانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر عمر مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب ، قال : كان علي بن أبي طالب عليه السلام ، إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لم يكن بالطويل الممغَّط ، ولا القصير المتردد . وكان ربعة من القوم ، ولم يكن بالجعد القطط ولا السبط ، كان جعدا رجلا ، ولم يكن بالمطهَّم ولا المكلثم ، وكان أبيض مشربا ، أدعج العينين ، أهدب الأشفار ، جليل المشاش والكتد ، دقيق المسربة ، أجرد شَثْن الكفين والقدمين ، إذا مشى تقلع ، كأنما يمشي في صبب ، وإذا التفت التفت معا ، بين كتفيه خاتم النبوة ، وهو صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين ، أجود الناس كفا ، وأجرأ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفى الناس ذمة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه أحبه ، يقول ناعته : لم أر قبله ولا بعده مثله ، صلى الله عليه وسلم .
رواية أم هانئ عن الإسراء
قال محمد بن إسحاق : وكان فيما بلغني عن أمر هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ، واسمها هند ، في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنها كانت تقول : ما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي ، نام عندي تلك الليلة في بيتي ، فصلى العشاء الآخرة ، ثم نام ونمنا ، فلما كان قبيل الفجر أهبَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما صلى الصبح وصلينا معه ، قال : يا أم هانىء ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ، ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين ، ثم قام ليخرج ، فأخذت بطرف ردائه ، فتكشَّف عن بطنه كأنه قُبطية مطوية ، فقلت له : يا نبي الله ، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك ؛ قال : والله لأحدثنهموه .
قالت : فقلت لجارية لي حبشية : ويحك اتبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تسمعي ما يقول للناس ، وما يقولون له . فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس أخبرهم ، فعجبوا وقالوا : ما آية ذلك يا محمد ؟ فإنا لم نسمع بمثل هذا قط ؛ قال : آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا ، فأنفرهم حس الدابة ، فندَّ لهم بعير ، فدللتهم عليه ، وأنا موجَّه إلى الشام .
ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان ، فوجدت القوم نياما ، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء ، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه ، ثم غطيت عليه كما كان ؛ وآية ذلك أن عيرهم الآن يصوب من البيضاء ، ثنية التنعيم ، يقدمها جمل أورق ، عليه غرارتان ، إحداهما سوداء ، والآخرى برقاء . قالت : فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أولُ من الجمل كما وصف لهم ، وسألوهم عن الإناء ، فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه ، وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه ، ولم يجدوا فيه ماء . وسألوا الآخرين وهم بمكة ، فقالوا : صدق والله ، لقد أُنْفرنا في الوادي الذي ذكر ، وندّ لنا بعير ، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه ، حتى أخذناه .
قصة المعراج
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما فرغت مما كان في بيت المقدس ، أتى بالمعراج ،ولم أر شيئاً قط أحسن منه ، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضر ، فأصعدني صاحبي فيه ، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة ، عليه ملك من الملائكة ، يقال له إسماعيل ، تحت يديه اثنا عشر ألف ملكٍ, فقال وأتى بي إلى السماء الدنيا فاستفتح قيل: من هذا ؟ قال : جبريل قيل : من معك ؟ قال : محمد, قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم ، فقال : هذا أبوك آدم فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح . قال ثم رأيت رجالاً لهم مشافر كمشافر الابل ، في أيديهم قطع من نار كالأفهار (حجر علي مقدار ملء الكف) يقذفونها في أفواههم ، فتخرج من أدبارهم ، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء أكلت أموال اليتامى ظلماً . قال ثم رأيت رجالاً لهم بطون لم أر مثلهما قط بسبيل آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة (العطاش) حين يعرضون على النار ، قال : قلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء أكلة الربا . ثم قال رأيت نساء معلقات بثديهن ، فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء اللاتي أدخلن على رجال من ليس من أولادهم
قال : ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فتكرر نفس الحديث ، فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما أبناء خاله ، قال : هذا يحي بن زكريا وعيسى بن مريم فسلم عليهما ، فسلمت وردا السلام ثم قالا : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . قال ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح وتكرر نفس الحديث ، فلما خلصت فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر ، قال : قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أخوك يوسف بن يعقوب فسلم عليه ، فسلمت فرد السلام ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . قال : ثم صعد بي إلى السماء الرابعة ، فإذا فيها رجل فسألته : من هو ؟ قال هذا إدريس . قال : ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فاستفتح ، وتكرر نفس الحديث ، فلما خلصت إذا فيها رجل كهل أبيض الرأس واللحية عظيم العثنون (اللحية) ، لم أر كهلاً أجمل منه قال : قلت من هذا يا جبريل ؟ قال هذا المحبب في قومه هارون بن عمران فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . قال ثم صعد بي إلى السماء السادسة فاستفتح ، وتكرر نفس الحديث ، فلما خلصت قال هذا أخوك موسى بن عمران فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ، فلما تجاوزت بكى ، قيل ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي . قال ثم صعد بي إلى السماء السابعة ، فاستفتح وتكرر نفس الحديث ، إذا فيها رجل كهل جالس على كرسي على باب البيت المعمور فقلت : يا جبريل ما هذا ؟ قال هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك وإذا خرجوا منه لا يعودون إليه قال : قلت من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ، فقال مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح
قال ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وورقها مثل آذان الفيلة ، قال : هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران ، قلت ما هذا يا جبريل ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ، قال ثم انتهيت إلى ربي ، وفرضت علىّ خمسون صلاة كل يوم ، فرجعت فمررت على موسى بن عمران فقال : بما أمرت ؟ قلت : أمرت بخمسين صلاة كل يوم ، قال : إن الصلاة ثقيلة ، وإن أمتك ضعيفة ، فأرجع إلى ربك ، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فوضع عني عشراً ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، وتكرر ذلك إلى أن أمرت بخمس صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى ، فقال : بما أمرت ؟ قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم ، فقال لي مثل ذلك ، فقلت : قد راجعت ربي حتى استحيت منه ، فما أنا بفاعل , فمن أداهن منكم إيماناً بهن واحتساباً لهن ، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة
وصول النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب
في رواية أنه لما بلغ صلى الله عليه وسلم الحجاب الذي يلي الرحمن ، إذ خرج ملك من الحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جبريل من هذا ؟ قال : الذي بعثك بالحق وإني لأقرب مكاناً وإن هذا الملك ما رأيته من قبل . ولما جاوز سدرة المنتهى قال له جبريل : تقدم يا محمد ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تقدم أنت يا جبريل أو كما قال ، قال جبريل : يا محمد تقدم فإنك أكرم على الله مني ، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل على أثره حتى بلغه إلى حجاب منسوج بالذهب فحركه جبريل فقيل : من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معه ؟ قال محمد ، قال ملك من وراء الحجاب : الله أكبر الله أكبر ، قيل من وراء الحجاب ؟ صدق عبدي أنا الله لا إله إلا أنا ، فقال ملك : أشهد أن محمداً رسول الله ، فقيل من وراء الحجاب ؟ صدق عبدي أنا أرسلت محمداً ، فقال ملك : حي على الصلاة حي على الفلاح ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي دعا إلى عبدي ، فأخرج ملك يده من وراء الحجاب فرفعه فتخلف جبريل عنه هناك
وفي رواية أخرى ما زال يقطع مقاماً بعد مقام وحجاباً بعد حجاب حتى إنتهى إلى مقام تخلف عنه فيه جبريل ، وقال جبريل يا محمد ما منا إلا له مقام معلوم لو دنوت أنملة لاحترقت ، وفي هذه الليلة بسبب احترامك وصلت إلى هذا المقام وإلا فمقامي المعهود عند سدرة المنتهى ، فمضى النبي صلى الله عليه وسلم وحده حتى تجاوز سبعين ألف حجاب ، وبين كل حجاب وحجاب مسيرة خمسمائة سنة ، فوقف البراق عن المسير فظهر له رفرف وذهب به إلى قرب العرش ومنها ترقى حتى وصل إلى منزلة قاب قوسين أو أدنى ، كما قال تعالى : (ثم دنا) أي دنا محمد إلى ربه تعالى أي قرب بالمنزلة والمرتبة لا بالمكان فإنه تعالى منزه عنه ، وإنما هو قرب المنزلة والدرجة والكرامة والرأفة ، (فتدنى) أي سجد له تعالى لأنه كان قد وجد تلك المرتبة بالخدمة فزاد في الخدمة ، وفي السجدة عدة القرب ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : أقرب ما يكون العبد من ربه أن يكون ساجداً
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله تعالي
سئلت السيدة عائشة هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ؟ قالت فقد قف شعري مما قلت ، ثم قرأت : (لا تدركه الأبصار) الآية . وعن ابن العباس انه رآه سبحانه بعين رأسه وروى عطاء عنه أنه رآه بقلبه كذا ذكرهما في المدارك ، وعن أبي العالية أنه رآه بفؤاده مرتين ، وروى شريك عن أبي ذر في تفسير الآية : (ما كذب الفؤاد ما رأى) ، وحكى السمرقندي عن محمد بن كعب القرظي وربيع بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : هل رأيت ربك ؟ قال : رأيته بفؤادي ولم أره بعيني
الإسراء هل كان بالروح أم الجسد
أنقسم رأي العلماء والسلف إلى ثلاث ، فمنهم من يقول أن الإسراء والمعراج كان بالروح ، ومنهم من يقول كان بالجسد ، ومنهم من يقول كان بالروح والجسد ، وهذا ما ذهب عليه معظم السلف والمسلمين في اليقظة وهذا هو الحق .
ويكفي أن الإسراج والمعراج كان بجسده الشريف لقوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, وقوله تعالى : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى
قيل أن الحكمة في المعراج أن الله تعالى أراد أن يشرف بأنوار محمد صلى الله عليه وسلم السماوات كما شرف ببركاته الأرضين فسرى به إلى المعراج ، وسئل أبو العباس الدينوري : لم أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل أن يعرج به إلى السماء ؟ فقال : لأن الله تعالى كان يعلم أن كفار قريش كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السماوات فأراد أن يخبرهم من الأرض التي قد بلغوها وعاينوها وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس قط فلما أخبرهم بأخبار بيت المقدس على ما هو عليه لم يمكنهم أن يكذبوه في أخبار السماء بعد أن صدقوا أخبار الأرض
الموضع الذي كان منه الإسراء
أن الموضع الإسراء محل خلاف بين العلماء ، فمنهم من قال أسرى به صلى الله عليه وسلم من بيته ، وقيل من بيت أم هاني ، ومن هذين القولين قال : الحرم كله ، والمراد بالمسجد الحرام في الآية هو المسجد نفسه ودار أم هاني بنت أبي طالب وأخت علي رضي الله عنه ، تلك الدار التي أضيفت إلى مساحة المسجد وصار محلها عند باب الوداع ، وتبعد أربعين متراً من الكعبة المشرفة
صفة مالك خازن النار
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم عمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : تلقتني الملائكة حين دخلت السماء الدنيا ، فلم يلقني ملك إلا ضاحكا مستبشرا ، يقول خيرا ويدعو به ، حتى لقيني ملك من الملائكة ، فقال مثل ما قالوا ، ودعا بمثل ما دعوا به ، إلا أنه لم يضحك ، ولم أر منه من البشر مثل ما رأيت من غيره ، فقلت لجبريل : يا جبريل من هذا الملك الذي قال لي كما قالت الملائكة ولم يضحك إلي ، ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت منهم ؟ قال : فقال لي جبريل : أما إنه لو ضحك إلى أحد كان قبلك ، أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك ، لضحك إليك ، ولكنه لا يضحك ، هذا مالك صاحب النار .
من صفات جهنم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت لجبريل، وهو من الله تعالى بالمكان الذي وصف لكم ( مطاع ثم أمين ): ألا تأمره أن يُريني النار؟ فقال: بلى، يا مالك، أرِ محمدا النار. قال : فكشف عنها غطاءها، فقال : ففارت وارتفعت، حتى ظننت لتأخذن ما أرى. قال: فقلت لجبريل: يا جبريل، مُرْه فليردها إلى مكانها. قال: فأمره، فقال لها: اخبي، فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه. فما شبَّهت رجوعها إلا وقوع الظل. حتى إذا دخلت من حيث خرجت رد عليها غطاءها.
عرض الأرواح على آدم عليه السلام
قال أبو سعيد الخدري في حديثه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما دخلت السماء الدنيا ، رأيت بها رجلا جالسا تُعرض عليه أرواح بني آدم، فيقول لبعضها إذا عُرضت عليه خيرا ويُسّر به، ويقول: روح طيبة خرجت من جسد طيب؛ ويقول لبعضها إذا عُرضت عليه: أف، ويعبس بوجهه ويقول : روح خبيثة خرجت من جسد خبيث. قال: قلت : من هذا جبريل ؟ قال: هذا أبوك آدم، تعرض عليه أرواح ذريته، فإذا مرت به روح المؤمن منهم سر بها. وقال: روح طيبة خرجت من جسد طيب. وإذا مرت به روح الكافر منهم أفَّف منها وكرهها، وساءه ذلك، وقال: روح خبيثة خرجت من جسد خبيث.
صفة أكلة أموال اليتامى ظلما
قال : ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل ، في أيديهم قطع من نار كالأفهار ، يقذفونها في أفواههم ، فتخرج من أدبارهم . فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة أمول اليتامى ظلما .
صفة أكلة الربا
قال : ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلها قط بسبيل آل فرعون ، يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يُعرضون على النار ، يطئونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك . قال : قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا .
صفة الزناة من بني آدم
قال : ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم ثـمين طيب ، إلى جنبه لحم غث منتن ، يأكلون من الغث المنتن ، ويتركون السمين الطيب . قال : قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ، ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن .
من نسبت ابنا لزوجها من غيره
قال : ثم رأيت نساء معلقات بثديهنّ ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم .
قال ابن إسحاق : وحدثني جعفر بن عمرو ، عن القاسم بن محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ، فأكل حرائبهم ، واطلع على عوراتهم .
صعوده صلى الله عليه وسلم إلى السماوات الآخرة، وما رأى منها
ثم رجع إلى حديث أبي سعيد الخدري، قال : ثم أصعدني إلى السماء الثانية، فإذا فيها ابنا الخالة: عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا، قال : ثم أصعدني إلى السماء الثالثة، فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر؛ قال: قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك يوسف بن يعقوب. قال: ثم أصعدني إلى السماء الرابعة، فإذا فيها رجل فسألته: من هو؟ قال: هذا إدريس – قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ورفعناه مكانا عليا – قال: ثم أصعدني إلى السماء الخامسة فإذا فيها كهل أبيض الرأس واللحية، عظيم العثنون، لم أر كهلا أجمل منه؛ قالت: قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال هذا المحبَّب في قومه هارون بن عمران. قال: ثم أصعدني إلى السماء السادسة، فإذا فيها رجل آدم طويل أقنى، كأنه من رجال شنوءة ؛ فقلت له: من هذا يا جبريل ؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران. ثم أصعدني إلى السماء السابعة، فإذا فيها كهل جالس على كرسي إلى باب البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يرجعون فيه إلى يوم القيامة. لم أر رجلا أشبه بصاحبكم، ولا صاحبكم أشبه به منه؛ قال: قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك ابراهيم. قال: ثم دخل بي الجنة، فرأيت فيها جارية لعساء، فسألتها: لمن أنت؟ وقد أعجبتني حين رأيتها؛ فقالت: لزيد بن حارثة، فبشَّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة.
فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : ومن حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني : أن جبريل لم يصعد به إلى سماء من السماوات إلا قالوا له حين يستأذن في دخولها : من هذا يا جبريل ؟ فيقول : محمد ؛ فيقولون : أوقد بعث إليه ؟ فيقول : نعم ؛ فيقولون : حياه الله من أخ وصاحب ! حتى انتهى به إلى السماء السابعة ، ثم انتهى به إلى ربه ، ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم . موسى بن عمران عليه السلام يطلب من النبي عليه الصلاة والسلام سؤال ربه التخفيف عن أمته في أمر الصلاة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأقبلت راجعا ، فلما مررت بموسى بن عمران ، ونعم الصاحب كان لكم ، سألني كم فُرض عليك من الصلاة ؟ فقلت : خمسين صلاة كل يوم ؛ فقال : إن الصلاة ثقيلة ، وإن أمتك ضعيفة ، فارجع إلى ربك ، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني وعن أمتي ، فوضع عني عشرا . ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك ؛ فرجعت فسألت ربي ، أن يخفف عني وعن أمتي ، فوضع عني عشرا . ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك ؛ فرجعت فسألت ربي ، فوضع عني عشرا . ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك ، كلما رجعت إليه ، قال : فارجع فاسأل ربك ، حتى انتهيت إلى أن وضع ذلك عني ، إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة . ثم رجعت إلى موسى ، فقال لي مثل ذلك ، فقلت : قد راجعت ربي وسألته ، حتى استحييت منه ، فما أنا بفاعل .
فمن أَدَّاهنّ منكم إيمانا بهن ، واحتسابا لهن ، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة .
موقف أهل قريش من الرحلة
في صباح اليوم التّالي اجتمع الرّسول الكريم في قبيلة قريش وأخبرهم بما حصل معه، فقال أكثر النّاس: والله هذا الأمر لبيّن، وإنّ الرّسول لصادق آمين، وإنّ العير لتطرد شهرآ من مكّة إلى الشام مدبرة، وشهراً مقبلة، فقال العير إنّ هذا القول لا يصدّق أفيذهب محمّدٌ ويرجع إلى مكّه في ليلة واحدة؟! قال جبريل: فارتدّ كثيرٌ ممّن كان قد أسلم، وذهب النّاس إلى أبي بكر، فقالوا له: يا أبا بكر إنّ صاحبك محمّد يزعم أنّه قد جاء من بيت المقدس وصلّى فيه ورجع إلى مكّة، فقال لهم أبو بكر: إنّكم تكذبون على رسول الله، فقالوا: بلى، ها هو الرّسول في المسجد يحدّث الناس بما حدث معه، فقال أبو بكر: والله لئن كان قال هذا الكلام لقد صدق، فما العجب من ذلك! فوالله إنّه ليخبرني أنّ الخبر يأتيه من الله من السّماء إلى الأرض في ساعةٍ من ليلٍ أو نهار فأصدّقه، فهذا أبعد ممّا تعجبون منه.
أقبل أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، أحدّثت القوم أنّك كنت في بيت المقدس هذه الليلة؟ قال الرّسول: نعم، قال: يا رسول الله، صف لي ذلك المسجد، وأخذ الرّسول يصف ويحدّث أبا بكر عن بيت المقدس، فقال له أبو بكر: أشهد أنّك رسول الله، وكان يكرّرها كلّما وصف له شيئاً رآه.