مضاد اكتئاب شائع يسحب من الأسواق الأمريكية بسبب مادة مسرطنة . في خطوة هامة للحفاظ على صحة المواطنين، أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) قرارًا بسحب أكثر من 233 ألف عبوة من عقار “دولوكستين“، أحد الأدوية المضادة للاكتئاب الأكثر شيوعًا في الولايات المتحدة.
السبب في هذا السحب يعود إلى احتواء الدواء على مستويات غير آمنة من مادة كيميائية يُحتمل أن تكون مسببة للسرطان. هذه المادة الكيميائية هي N-nitroso-duloxetine، وهي شوائب ناتجة عن عملية تصنيع الدواء، وتنتمي إلى مجموعة مواد كيميائية تعرف بالنتروزامينات، وهي مواد سامة تمت دراستها في العديد من المجالات، حيث ثبت ارتباطها بزيادة خطر الإصابة بأنواع متعددة من السرطان.
تعد مادة النتروزامين من المواد التي تُستخدم في العديد من الصناعات الكيميائية والزراعية، حيث تدخل في تكوين بعض المبيدات الحشرية ومواد وقود الصواريخ. وبالنسبة لعقار “دولوكستين“، الذي يُستخدم بشكل رئيسي لعلاج الاكتئاب والقلق، فإن وجود هذه المادة فيه يثير القلق الكبير بشأن الآثار الصحية المحتملة على المدى البعيد للمستخدمين.
ولهذا السبب، اتخذت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية خطوة سريعة لسحب المنتجات المتأثرة، حيث أعلنت شركة “Rising Pharmaceutical“، الموزعة لهذا العقار، عن استدعاء عبوات تحتوي على كبسولات “دولوكستين” بتركيز 60 مغم. وتراوح أحجام العبوات المسحوبة بين 30 و1000 قرص.
تم تصنيف هذا السحب على أنه من الدرجة الثانية من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، ما يعني أنه قد يتسبب في “عواقب صحية ضارة مؤقتة أو قابلة للعلاج طبيا”. وفي ضوء هذا القرار، نصحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية المرضى الذين يتناولون هذا الدواء بضرورة استشارة أطبائهم قبل التوقف عن استخدامه.
وذلك لتجنب الأعراض الناتجة عن التوقف المفاجئ عن تناول مضادات الاكتئاب. فالتوقف المفاجئ قد يؤدي إلى ظهور أعراض انسحاب، مثل تقلبات المزاج، والأوجاع، والتعب، والقشعريرة، وغيرها من الأعراض الناتجة عن تغير مستويات هرمون السيروتونين في الدماغ.
تجدر الإشارة إلى أن عقار “دولوكستين” ينتمي إلى فئة الأدوية المعروفة باسم “مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنورادرينالين الانتقائية” (SSNRIs)، والتي تُستخدم بشكل رئيسي في علاج الاكتئاب والقلق.
يُعتبر “دولوكستين” واحدًا من الأدوية التي يتم وصفها بشكل واسع في الولايات المتحدة، حيث يتم تناوله من قبل أكثر من 23 مليون شخص سنويًا. ويعد هذا السحب ليس الأول من نوعه؛ ففي أكتوبر من العام الماضي، تم سحب دفعة أخرى من دواء “Cymbalta” الذي يحتوي أيضًا على المادة الفعالة نفسها (duloxetine)، وذلك بسبب نفس المخاوف المتعلقة بوجود مادة النتروزامين في تركيبته. في تلك الحالة، تم سحب أكثر من 7000 عبوة من أقراص “Cymbalta” بتركيز 20 مغم، وهو الدواء الذي يُوصف لحوالي 18 مليون شخص أمريكي سنويًا.
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى وجود مادة النتروزامين في الأدوية، ويشمل ذلك عملية تصنيع الدواء نفسها، أو البنية الكيميائية للدواء، أو حتى ظروف تخزينه وتعبئته. كما يمكن أن تتكون هذه المادة في الجسم أثناء معالجة الأدوية أو الأطعمة.
وقد أضافت إدارة الغذاء والدواء في بيان لها أن هذه المادة لا تقتصر على الأدوية فحسب، بل قد تتواجد أيضًا في بعض الأطعمة والمواد الغذائية التي يتم تناولها. وهو ما يجعل التحذيرات المتعلقة بمادة النتروزامين تشمل قطاعًا واسعًا من الصناعات.
يعتبر هذا السحب جزءًا من سلسلة من الإجراءات التي تتخذها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لمراجعة الأدوية المتداولة في الأسواق وضمان سلامتها. ففي الوقت الذي يُعَد فيه “دولوكستين” من الأدوية الرئيسية لعلاج الاكتئاب والقلق.
فإن السحب الجماعي لهذه الأدوية يُظهر اهتمامًا متزايدًا من الجهات الصحية الحكومية بالمراجعة المستمرة للأدوية المتاحة في الأسواق الأمريكية. الهدف من هذه المراجعات هو تقليل المخاطر الصحية المحتملة والحفاظ على حياة المرضى وضمان ألا يتعرضوا لأي تهديدات صحية قد تكون ناتجة عن وجود مواد سامة أو ملوثة في الأدوية.
إن الإجراءات التي تتخذها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في هذا السياق ليست مجرد إجراءات طارئة، بل هي جزء من سياسة عامة تهدف إلى حماية صحة المواطنين الأمريكيين. فكما هو الحال مع الأدوية الأخرى، لا يُستثنى أي نوع من الدواء من عمليات الفحص المستمرة من قبل إدارة الغذاء والدواء.
في النهاية، إن سحب أدوية تحتوي على مواد كيميائية خطرة هو خطوة أساسية في إطار حماية صحة المرضى ومنع تعرضهم لأية مخاطر صحية قد تتسبب في مضاعفات خطيرة على المدى الطويل.
بالإضافة إلى هذا السحب، فإن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تعمل على تشديد الرقابة على جميع الأدوية التي تحتوي على مواد كيميائية قد تشكل خطرًا على الصحة العامة. في هذا الصدد، أضافت الإدارة أن “وجود نتروزامين في الأدوية ليس بالأمر الجديد، لكنه قد يكون نتيجة لظروف غير متوقعة أثناء التصنيع أو التخزين”. ومن ثم، فإن الإدارة تقوم بالتعاون مع الشركات المصنعة للأدوية من أجل تحديد الأسباب التي قد تؤدي إلى ظهور هذه المادة في الأدوية، وتسعى إلى تطوير أنظمة جديدة لمنع تكرار هذه الحوادث في المستقبل.
إلى جانب الإجراءات القانونية والفنية التي تتخذها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، يتم بذل جهود إعلامية مكثفة لضمان أن يتمكن المرضى من الحصول على المعلومات الصحيحة المتعلقة بالأدوية التي يتناولونها. يتم تنبيه المرضى بضرورة متابعة الإعلانات الرسمية حول سحب الأدوية والبحث عن بدائل آمنة تحت إشراف الطبيب المعالج.
بالمجمل، فإن سحب عقار “دولوكستين” يعد خطوة مهمة نحو تحسين أمان الأدوية المتاحة في الأسواق وحماية المرضى من المخاطر المحتملة. كما أن التعاون المستمر بين إدارة الغذاء والدواء والشركات المصنعة يسهم في إيجاد حلول مبتكرة لضمان سلامة الأدوية ومنع تلوثها بالمواد الكيميائية الخطرة.