توترات دبلوماسية بين برلين وباريس على خلفية اتفاقية التجارة مع ميركوسور . الخلافات بين برلين وباريس حول اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وكتلة ميركوسور: ضغوط ألمانية وتقسيم محتمل للاتفاق وتتواصل التوترات بين ألمانيا وفرنسا بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وكتلة ميركوسور، التي تشمل الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي.
في وقت يسعى فيه المسؤولون الألمان لإبرام الاتفاقية بسرعة قبل نهاية العام، أبدت فرنسا معارضتها الشديدة، مشيرة إلى المخاوف المتعلقة بالقطاع الزراعي وحماية البيئة. وفي هذا السياق، اقترح بعض السياسيين الألمان تقسيم الاتفاقية إلى جزئين، بهدف التغلب على معارضة باريس وتسريع إتمام الصفقة.
ضغوط ألمانية للإسراع بإبرام الاتفاق
ألمانيا، التي تعتبر من أبرز المؤيدين لإبرام اتفاقية التجارة مع ميركوسور، تضغط بشكل متزايد من أجل إتمام الصفقة في أقرب وقت ممكن. يعد هذا الاتفاق مهمًا بالنسبة للاقتصاد الألماني، نظرًا لما يوفره من فرص تجارية كبيرة مع دول أمريكا اللاتينية، مما يعزز العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والدول الأربع.
في هذا الإطار، دعا عدد من السياسيين الألمان إلى تقسيم الاتفاقية إلى جزئين: الجزء الأول مخصص للشق التجاري الذي يتعلق بالاتحاد الأوروبي فقط، والجزء الثاني يتعلق بالأبعاد السياسية التي تشمل القضايا البيئية والاقتصادية الأوسع.
الاقتراح بتقسيم الاتفاقية
كان ماركوس تونز، النائب عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، من بين أبرز السياسيين الألمان الذين دعموا فكرة تقسيم الاتفاقية. وقال في تصريحات له إن “المفوضية الأوروبية يجب أن تقسم الاتفاق إلى جزء تجاري مخصص للاتحاد الأوروبي وآخر سياسي”، وذلك لتسريع إقرار الجزء التجاري الذي يتعلق بالرسوم الجمركية وحصص الاستيراد، مما يتيح إمكانية تطبيقه بشكل أسرع.
ويقترح تونز أنه يمكن اعتماد الجزء التجاري بأغلبية مؤهلة من قبل المجلس الأوروبي، دون الحاجة إلى مصادقة البرلمانات الوطنية في الدول الأعضاء. يعتقد تونز أن هذا التحرك سيتيح للاتحاد الأوروبي المضي قدمًا في التوصل إلى اتفاقية تجارية مع ميركوسور، بينما يتم تأجيل المناقشات المتعلقة بالجوانب السياسية والثقافية التي تثير جدلاً داخل الاتحاد الأوروبي.
موقف فرنسا: القلق بشأن البيئة والزراعة
من جانبها، تصر فرنسا على معارضتها للاتفاقية بالشكل الحالي، بحجة أنها قد تعرض اتفاق باريس الخاص بالمناخ للخطر. وتشير باريس إلى أن الاتفاق مع دول ميركوسور لا يتضمن ضمانات كافية بشأن التبادلية في معايير الإنتاج الاجتماعية والبيئية، وخاصة في القطاع الزراعي، وهو قطاع حساس بالنسبة لفرنسا، حيث تشعر الحكومة الفرنسية أن اتفاقية التجارة قد تؤدي إلى تقويض المعايير البيئية والزراعية التي تلتزم بها دول الاتحاد الأوروبي.
وتبدي باريس قلقها بشكل خاص بشأن المعايير المتعلقة بإنتاج اللحوم، حيث ترى أن التوسعات الزراعية في دول ميركوسور قد تتسبب في تدهور البيئة، بما يتعارض مع التزامات الاتحاد الأوروبي في ما يخص مكافحة تغير المناخ والحفاظ على البيئة. من جهتها، تؤكد باريس أنها لا يمكن أن توافق على اتفاقية التجارة الحرة مع هذه الدول ما لم تتم معالجة هذه المخاوف بشكل ملموس.
ألمانيا: رغبـة في إتمام الاتفاقية قبل الانتخابات المبكرة
في خضم هذه التوترات، يواصل المستشار الألماني أولاف شولتز دعم فكرة إبرام اتفاقية التجارة مع ميركوسور، وهو يرى أنها فرصة مهمة لتعزيز العلاقات التجارية مع أمريكا اللاتينية. ويرى شولتز أن هذه الاتفاقية تعتبر أمرًا حيويًا للاقتصاد الألماني، ولهذا فإنه يسعى إلى إتمامها قبل أن يبدأ موسم الانتخابات في ألمانيا في فبراير 2025.
ويعتقد شولتز أن إبرام الاتفاقية سيكون إنجازًا مهمًا في فترة ولايته، ويعزز موقفه في مواجهة الانتخابات المقبلة. وعليه، فإن فريقه يسعى جاهدًا لتجاوز الخلافات الداخلية ضمن الاتحاد الأوروبي، لاسيما مع فرنسا، والعمل على إقرار الجزء التجاري من الاتفاق بأسرع وقت ممكن.
التوترات المستمرة: برلين وباريس على مفترق طرق
إلى جانب هذه التوترات، تتزايد الضغوط داخل الاتحاد الأوروبي حيث تتباين مواقف الدول الأعضاء بشأن الاتفاقية. بينما تسعى ألمانيا لتحقيق مصالحها التجارية، فإن فرنسا تواصل التشبث بمواقفها المتعلقة بالبيئة والزراعة، مما يعكس الصراع المستمر بين مصالح الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والالتزامات البيئية والاجتماعية.
من الملاحظ أن المفاوضات حول اتفاقية ميركوسور قد استمرت لعقود، حيث بدأت المحادثات بين الطرفين في أواخر التسعينات، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي إلا في عام 2019. ورغم أن الاتفاق يعتبر خطوة كبيرة نحو تعزيز التعاون التجاري بين أوروبا وأمريكا اللاتينية، إلا أن المعارضات السياسية، وعلى رأسها المعارضة الفرنسية، قد تؤجل التنفيذ لفترة أطول.
إذا تم تنفيذ اقتراح تقسيم الاتفاقية، فإن هذا قد يكون خطوة نحو تجاوز المأزق الذي يعيق إتمام الاتفاقية بشكل شامل. ومع ذلك، يظل التساؤل حول ما إذا كان هذا التوجه سيعزز أو يضعف التماسك داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل معارضة قوية من دول مثل فرنسا.
المرحلة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، حيث يتعين عليهم اتخاذ قرارات صعبة بشأن كيفية الموازنة بين المصالح التجارية والبيئية، وكيفية التعامل مع التحديات السياسية الداخلية التي قد تعيق إتمام هذا الاتفاق المهم.
يبقى موضوع اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور قضية مفتوحة، وتستمر المفاوضات بين الدول الأعضاء، مع تسارع الضغوط من بعض الأطراف لإتمام الصفقة في أسرع وقت ممكن، وسط استمرار الخلافات حول موازنة المصالح الاقتصادية مع القضايا البيئية والزراعية.