وجاء هذا الارتفاع في ظل تزايد الإقبال على الذهب كملاذ آمن وسط حالة من الضبابية الاقتصادية في الولايات المتحدة، إلى جانب بوادر إيجابية بشأن انفراج أزمة الإغلاق الحكومي الأمريكي التي ألقت بظلالها على الأسواق خلال الأسابيع الماضية.
تحركات الذهب في الأسواق العالمية
سجلت السبائك الذهبية تداولاً بالقرب من مستوى 4017 دولاراً للأونصة، بعد أن أنهت الأسبوع الماضي دون تغييرات كبيرة، في حين سجلت ارتفاعاً ملحوظاً خلال جلسة يوم الجمعة الماضية.
وكان هذا الصعود مرتبطاً بتراجع مؤشر ثقة المستهلك الأمريكي إلى مستويات متدنية تقترب من أدنى نقاطه التاريخية، ما دفع المستثمرين إلى التحوط بالذهب تحسباً لأي تباطؤ اقتصادي محتمل.
ويرى محللون أن تراجع الثقة في الاقتصاد الأمريكي يعدّ أحد الأسباب الرئيسية لعودة الزخم إلى أسواق الذهب، إذ غالباً ما يتجه المستثمرون إلى الأصول الآمنة مثل الذهب في أوقات التوتر الاقتصادي أو السياسي. ويُضاف إلى ذلك تأثير ضعف الدولار الأمريكي الذي عزّز الطلب على المعدن الأصفر، باعتباره أكثر جاذبية للمستثمرين خارج الولايات المتحدة.
أزمة الإغلاق الحكومي ودورها في تحريك الأسعار
تزامن ارتفاع أسعار الذهب مع أنباء تشير إلى اقتراب انتهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي، بعد توصل أعضاء من مجلس الشيوخ إلى تفاهمات مبدئية لإعادة فتح المؤسسات الفيدرالية.
هذا التطور ساهم في تهدئة المخاوف بشأن استمرار الجمود السياسي، لكنه في الوقت نفسه حفّز المتداولين على التحوّط، خوفاً من انعكاسات محتملة على الاقتصاد الكلي ومعدلات النمو خلال الربع الأخير من العام.
ويرى الخبراء أن الإغلاق الحكومي الطويل شكّل ضغطاً واضحاً على الاقتصاد الأمريكي، حيث أدى إلى تباطؤ بعض الأنشطة الإنتاجية والخدمية، كما أثّر على ثقة المستهلكين والشركات. هذه العوامل مجتمعة جعلت الذهب خياراً مثالياً للتحوط من التقلبات المحتملة في الأسواق.
مكانة الذهب منذ بداية العام
وعلى الرغم من أن المعدن الأصفر قد تراجع بنحو 8% منذ بلوغه أعلى مستوى تاريخي له عند 4380 دولاراً للأونصة في منتصف أكتوبر الماضي، إلا أنه لا يزال مرتفعاً بأكثر من 50% منذ بداية عام 2025. ويعكس هذا الأداء القوي استمرار اهتمام المستثمرين العالميين بالذهب كأداة استثمارية آمنة ومخزن للقيمة في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة.
عوامل تدعم استمرار ارتفاع أسعار الذهب
ما تزال معظم العوامل الجوهرية التي غذّت موجة الارتفاع الأخيرة قائمة حتى الآن، ومن أبرزها:
الضبابية الاقتصادية والجيوسياسية: تصاعد التوترات في عدد من المناطق حول العالم، إضافة إلى تباطؤ النمو في بعض الاقتصادات الكبرى، ما يدفع المستثمرين نحو الذهب.
زيادة مشتريات البنوك المركزية: العديد من البنوك المركزية واصلت تعزيز احتياطاتها من الذهب لتقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي، وهو ما يعزز الطلب العالمي.
ارتفاع الطلب من المستثمرين الأفراد وصناديق التحوط: إذ يشهد السوق تدفقاً مستمراً من رؤوس الأموال الباحثة عن ملاذ آمن يحافظ على القيمة.
تراجع عوائد السندات الأمريكية: ما يقلل من جاذبية الأصول ذات العائد الثابت ويدعم التحول نحو الأصول الثمينة.
التوقعات بمرونة السياسة النقدية: تزايد التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) قد يخفف من وتيرة رفع أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة.
المعادن الثمينة الأخرى تشارك في الصعود
لم يكن الذهب وحده المستفيد من تحركات السوق الأخيرة، إذ سجلت المعادن الثمينة الأخرى ارتفاعات متزامنة. حيث ارتفعت أسعار الفضة والبلاتينوم والبلاديوم بنسب متفاوتة، مدفوعة بزيادة الطلب الصناعي والمضاربي في آن واحد. وفي المقابل، ارتفع مؤشر بلومبرغ للدولار الأمريكي بنسبة طفيفة بلغت 0.1%، ما يعكس تبايناً في توجهات المستثمرين بين الأصول الخطرة والآمنة.
يتوقع محللون أن يواصل الذهب التحرك ضمن نطاق صاعد على المدى المتوسط، خاصة إذا استمرت الضغوط التضخمية في الأسواق الكبرى أو شهدت أسعار الفائدة الأمريكية تباطؤاً في الارتفاع. كما يشير البعض إلى أن عودة التوترات الجيوسياسية أو تذبذب أسعار النفط قد يمنح الذهب مزيداً من الزخم خلال الأسابيع المقبلة.
ويرجّح محللو الأسواق أن يستهدف الذهب مستويات 4100 دولار للأونصة في حال استمر الطلب القوي من المؤسسات المالية والبنوك المركزية، مع احتمال تصحيحات مؤقتة مرتبطة بحركة الدولار أو بيانات التضخم الأمريكية المقبلة.
يمكن القول إن ارتفاع الذهب بنسبة 0.4% خلال تداولات اليوم يعكس تفاعلاً متوازناً بين المخاوف الاقتصادية والتفاؤل السياسي. فبينما تلوح في الأفق مؤشرات على تعافي مؤقت للاقتصاد الأمريكي، لا تزال العوامل المحفزة لشراء الذهب قائمة، ما يمنح المعدن الثمين فرصة للحفاظ على جاذبيته كأحد أبرز أدوات التحوط في الأسواق العالمية.







