القانون الجديد الذي سيدخل حيز التنفيذ في يناير 2026 يمثل تحولاً جوهرياً في السياسة العقارية للمملكة، إذ يتيح للأجانب تملك العقارات في مناطق محددة من البلاد وفق ضوابط ومعايير دقيقة تضمن التوازن بين مصلحة المستثمرين ودعم التنمية الوطنية.
من خلال هذا القرار، تسعى السعودية إلى تحويل قطاع العقارات إلى رافد رئيسي للنمو الاقتصادي، خاصة مع ما يشهده من ازدهار في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة.
فقد أصبحت هذه المدن مراكز جذب إقليمي ودولي بفضل المشروعات العملاقة التي يتم تنفيذها، والبنية التحتية المتطورة التي تجعلها وجهة مثالية للاستثمار العقاري بمختلف أنواعه — السكني، التجاري، والسياحي.
فرص غير مسبوقة في مدن النمو الكبرى
يركز القانون الجديد على تمكين المستثمرين الأجانب من التملك في المدن التي تشهد طفرة تنموية واقتصادية، وعلى رأسها الرياض وجدة. فالعاصمة السعودية تشهد توسعاً عمرانياً هائلاً مدفوعاً بمشروعات ضخمة مثل مشروع الرياض الجديدة ومبادرات تطوير وسط الرياض، فضلاً عن الاستعدادات لتصبح المدينة من أكبر المراكز الاقتصادية في الشرق الأوسط.
أما جدة، فهي بوابة البحر الأحمر ومركز تجاري عالمي يشهد تطويراً عمرانياً متسارعاً، خاصة في مشاريع الواجهة البحرية والمناطق السكنية الحديثة التي تلبي احتياجات السوق المحلية والعالمية.
هذا الانفتاح الجديد من شأنه أن يمنح الشركات العالمية والمستثمرين الأفراد فرصاً لتوسيع محافظهم العقارية داخل سوق يتمتع بالاستقرار والنمو المستدام. كما أنه يتماشى مع تطلعات المملكة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI) في قطاعات متنوعة، منها السياحة والضيافة والعقارات التجارية.
ضوابط واضحة وتوازن بين الانفتاح والتنظيم
ورغم الانفتاح الكبير الذي أتاحه القانون الجديد، فقد حرصت السلطات السعودية على الحفاظ على توازن دقيق بين تشجيع الاستثمار وضمان حماية الهوية الوطنية والمواقع ذات الحساسية الدينية.
إذ لا يُسمح بتملك العقارات في مكة المكرمة والمدينة المنورة نظراً لقدسيتهما ومكانتهما الخاصة، إلا في نطاقات محددة مخصصة للأنشطة السياحية والفندقية لخدمة الحجاج والمعتمرين.
هذا التنظيم الدقيق يعكس فهماً استراتيجياً للسوق، إذ يتيح التنوع في الفرص الاستثمارية دون المساس بالثوابت الدينية أو التوازن الاقتصادي والاجتماعي. وبذلك تصبح السعودية نموذجاً فريداً في كيفية دمج الحداثة بالخصوصية الثقافية في سياساتها الاستثمارية.
دور هيئة العقار السعودية (REGA)
تتولى الهيئة العامة للعقار (REGA) الإشراف الكامل على تنفيذ القانون الجديد، بداية من تحديد المناطق الجغرافية المسموح فيها بالتملك الأجنبي، وصولاً إلى صياغة اللوائح التنفيذية التي تضمن الشفافية والنزاهة في التعاملات العقارية.
وقد أكدت الهيئة أن هدفها هو خلق بيئة عقارية منظمة وجاذبة، تحافظ على مصالح جميع الأطراف، وتحد من المضاربات التي قد تضر باستقرار السوق أو تؤدي إلى ارتفاعات غير مبررة في الأسعار. ويُنتظر أن تساهم هذه الإجراءات في بناء سوق عقاري قوي ومستدام، يواكب تطور الاقتصاد الوطني ويخدم أهداف الرؤية الطموحة للمملكة.
شفافية قانونية تضمن الثقة للمستثمر الأجنبي
من أبرز ملامح القانون الجديد تأكيده على مبادئ الوضوح القانوني والشفافية، إذ تم تصميمه بطريقة تضمن حماية المستثمر الأجنبي من أي مخاطر قانونية أو بيروقراطية. كما يشمل القانون آليات واضحة لتسجيل الملكيات، وإجراءات موحدة لتوثيق العقود ونقل الملكية، بما يتماشى مع المعايير الدولية في إدارة الأصول العقارية.
هذا الوضوح يعزز ثقة المستثمرين العالميين، ويجعل السوق السعودي بيئة مثالية للاستثمار طويل الأمد، خصوصاً في ظل الاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي تشهده المملكة، وتوجهها الجاد نحو التحول إلى مركز اقتصادي عالمي.
نمو متوقع في السوق العقاري خلال العقد القادم
تشير التوقعات إلى أن السوق العقاري السعودي سيشهد نمواً غير مسبوق خلال السنوات العشر المقبلة، مدفوعاً بعدة عوامل منها ارتفاع الطلب على السكن الحديث، وتوسع المدن الذكية، وزيادة أعداد السياح والزوار الدوليين. ومن المتوقع أن تتضاعف قيمة الاستثمارات العقارية الأجنبية في المملكة مع بدء تطبيق قانون الملكية الجديد.
كما أن مشاريع مثل نيوم وذا لاين والبحر الأحمر تمثل نماذج لمستقبل العقار السعودي، حيث تندمج التكنولوجيا والابتكار في تصميم المدن والمجتمعات العمرانية. وبالتالي، فإن دخول المستثمر الأجنبي في هذا التوقيت يعتبر خطوة استراتيجية تضمن له موقعاً متقدماً في سوق سريع النمو.
استثمار استراتيجي في المستقبل
مع التوسع المستمر في مشاريع البنية التحتية والتحول نحو الاقتصاد غير النفطي، أصبح الاستثمار في العقارات السعودية أكثر من مجرد صفقة مالية؛ إنه استثمار في مستقبل المنطقة بأكملها. فالسعودية اليوم لا تقدم فقط أراضي أو مبانٍ، بل تقدم رؤية شاملة لبناء مدن متكاملة تراعي معايير الاستدامة والذكاء الحضري.
ومن المتوقع أن يسهم القانون الجديد في رفع كفاءة سوق العقارات، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق فرص عمل جديدة للمواطنين، فضلاً عن تحفيز الصناعات المساندة مثل المقاولات، والتمويل العقاري، وإدارة الأصول.
إن فتح السعودية باب تملك العقارات للأجانب يمثل محطة محورية في مسيرة الإصلاح الاقتصادي، وخطوة استراتيجية نحو تحقيق رؤية 2030 التي تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام. ومع وجود هيئة عقارية قوية تنظم وتراقب السوق، وإطار قانوني شفاف يشجع على الاستثمار الآمن، فإن المملكة تضع نفسها بثبات على خريطة العقارات العالمية كوجهة استثمارية رائدة.







