زاهي حواس يضع حدًا للأساطير حول الممرات السرية في منطقة أبو الهول الأثرية . زاهي حواس يكشف أسرار الآثار المصرية ويؤكد: لا ممرات خفية تحت أبو الهول والمتحف الكبير هو “مشروع القرن” في لقاء خاص جمعه بالإعلامي معتز الدمرداش عبر شاشة قناة الشرق.
تحدث عالم الآثار المصري الشهير الدكتور زاهي حواس بإسهاب عن مسيرة الآثار المصرية، والإنجازات التي تحققت خلال السنوات الأخيرة، والمشروعات العملاقة التي تُعد نقلة نوعية في الحفاظ على تراث مصر العريق، مؤكدًا أن المستقبل يحمل لمصر طفرة أثرية وسياحية غير مسبوقة، بفضل الجهود المتواصلة التي تُبذل في مجال الاكتشافات والترميم.
أبو الهول بين الحقيقة والأسطورة
عند الحديث عن تمثال أبو الهول، ذلك الرمز الأسطوري الذي ما زال يجذب اهتمام العالم، أوضح الدكتور زاهي حواس أن كثيرًا مما يُشاع حول هذا الأثر العظيم يحتاج إلى تصحيح علمي وتاريخي.
وقال حواس: “تمثال أبو الهول يعود إلى عصر الملك خفرع ابن الملك خوفو، وقد نُحت ليجسد صورة الملك في هيئة الإله حورس، رمز القوة والحماية في العقيدة المصرية القديمة، ولهذا جاء بجسم أسد ورأس إنسان ليعبر عن اتحاد القوة بالعقل.”
وفيما يخص الأنف المفقود للتمثال، أكد حواس أن الروايات التي تزعم أن نابليون هو من تسبب في تدميره غير صحيحة، موضحًا أن التاريخ يثبت أن أحد المتصوفة ويدعى صائم الدهر هو من قام بتحطيم الأنف في القرن الخامس عشر الميلادي، معتقدًا أن الناس آنذاك ما زالوا يعبدون التمثال، فأراد أن يثبت أنه ليس صنمًا.
كما كشف عالم الآثار المصري أن العديد من الحفائر تمت في محيط التمثال على مر السنين، وأسفرت عن اكتشاف بعض السراديب الصغيرة، إلا أن الدراسات الجيولوجية والأثرية الحديثة نفت تمامًا وجود ممرات سرية أو غرف خفية داخل التمثال أو تحته، مؤكداً أن “أبو الهول لا يخفي كنوزًا ولا أسرارًا كما يتخيل البعض، بل هو شاهد صامت على عبقرية المصري القديم وعظمة حضارته.”
المتحف المصري الكبير.. مشروع القرن الحادي والعشرين
انتقل الحديث بعد ذلك إلى المتحف المصري الكبير، الذي يُعد من أضخم المشاريع الثقافية في التاريخ الحديث. ووصفه حواس بأنه “أهم مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين”، نظرًا لضخامته وأثره المتوقع في دعم السياحة والوعي الحضاري.
وأوضح أن المتحف يمتد على مساحة 117 فدانًا، أي ما يفوق مساحة متحف اللوفر في باريس عدة مرات، مشيرًا إلى أنه سيضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، من بينها مجموعة توت عنخ آمون الكاملة التي تُعرض لأول مرة في مكان واحد.
وأضاف: “سيكون المتحف ليس فقط صرحًا للعرض، بل مركزًا علميًا عالميًا للبحث والترميم، ومقصدًا للسياحة الثقافية من كل أنحاء العالم. افتتاح المتحف في الأول من نوفمبر المقبل سيكون لحظة تاريخية لمصر وللإنسانية بأكملها.”
ولفت حواس إلى أن هذا المشروع العملاق سيسهم في إحداث طفرة سياحية ضخمة، لكنه شدد في الوقت ذاته على أهمية الاستعداد اللوجستي والبنية التحتية لاستقبال ملايين الزوار المتوقعين، قائلًا: “نحتاج إلى تطوير الفنادق والخدمات السياحية والنقل، لأن نجاح هذا الحدث يتطلب منظومة متكاملة تليق باسم مصر وتاريخها.”
استعادة الآثار المصرية.. معركة من أجل العدالة التاريخية
تطرق حواس أيضًا إلى ملف استرداد الآثار المصرية المسلوبة، وهو الملف الذي يقوده بنفسه منذ سنوات طويلة، مؤكداً أن مصر حققت تقدمًا كبيرًا في هذا الصدد.
وقال: “تمكنا من استعادة أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية خلال السنوات الأخيرة، وهو إنجاز يُحسب للجهود الدبلوماسية والثقافية التي تبذلها الدولة.”
وأضاف أن بعض القطع الأثرية المهمة ما زالت خارج البلاد، مثل حجر رشيد في المتحف البريطاني، وزودياك دندرة في متحف اللوفر، وتمثال نفرتيتي في برلين، مشيرًا إلى أن تلك القطع تمثل رموزًا لهوية مصرية لا يمكن التفريط فيها.
وأوضح أن هناك حملة شعبية واسعة يقودها المصريون في الداخل والخارج للمطالبة بعودة هذه الكنوز، حيث تم جمع نحو نصف مليون توقيع حتى الآن، مؤكدًا أن “الضغط الشعبي والإعلامي هو السلاح الأقوى في معركة استعادة حقوقنا التاريخية.”
أحلام وطموحات لا تتوقف
وفي ختام اللقاء، تحدث الدكتور زاهي حواس عن طموحاته المستقبلية ومشاريعه البحثية المقبلة، مؤكدًا أنه لا يزال يحمل حلمين كبيرين يسعى لتحقيقهما: اكتشاف مقبرة إمحوتب، المهندس العبقري الذي شيد هرم سقارة المدرج، والعثور على مقبرة الملكة نفرتيتي في وادي الملوك، التي يعتقد كثير من العلماء أنها لم تُكتشف بعد.
كما كشف أنه يعمل حاليًا على تأليف كتاب جديد عن الملكة كليوباترا، إلى جانب كتاب مذكراته الشخصية الذي يروي فيه تفاصيل رحلته الطويلة في عالم الآثار. وأضاف مبتسمًا: “أكتب كل شيء بخط يدي، لأن الكتابة اليدوية بالنسبة لي هي أفضل طريقة لتوثيق التاريخ، وهي التي تبقيني على تواصل مع روحي ومع الماضي في آن واحد.”
بهذا الحوار، رسم الدكتور زاهي حواس صورة متكاملة عن الماضي المجيد والمستقبل الواعد للآثار المصرية، مؤكدًا أن الحضارة المصرية القديمة لا تزال قادرة على إدهاش العالم، ليس فقط بما تحتويه من أسرار، بل بما تخلّفه من شغف ومعرفة متجددة في كل جيل.







