السوق العقاري الكويتي ينتعش بقوة.. أرقام غير مسبوقة منذ 2014 . شهد السوق العقاري في دولة الكويت طفرة لافتة خلال الربع الثالث من العام الحالي، حيث ارتفعت المبيعات إلى أعلى مستوى لها منذ أحد عشر عامًا، مدفوعةً بازدهار ملحوظ في القطاع التجاري، رغم حالة التباطؤ النسبي التي طالت القطاعات السكنية والاستثمارية.
هذا الأداء القوي يعكس متانة السوق العقاري الكويتي، وقدرته على التكيف مع التغيرات الاقتصادية والمالية، في وقت لا تزال فيه الأسواق العالمية تشهد حالة من التذبذب وعدم اليقين.
نمو استثنائي في المبيعات العقارية
ووفقًا لتقرير اقتصادي صادر عن بنك الكويت الوطني، فإن إجمالي المبيعات العقارية خلال الربع الثالث من عام 2025 تجاوز بكثير متوسط الأداء الربعي خلال الأعوام الخمسة الماضية، وهي فترة عُرفت عادة بالهدوء النسبي في النشاط العقاري.
وأشار التقرير إلى أن السوق شهد نشاطًا واسعًا في المعاملات العقارية، خصوصًا في المناطق الحضرية الخارجية، حيث تزايد الإقبال على العقارات التجارية والاستثمارية المُولّدة للدخل، وهو ما يعكس تحولًا في توجه المستثمرين نحو الأصول ذات العائد المستدام بدلاً من العقارات السكنية التقليدية.
تفاصيل القفزة في القطاع التجاري
بلغ إجمالي قيمة المبيعات العقارية في الكويت نحو 1.2 مليار دينار كويتي خلال الربع الثالث من العام الحالي، مسجلًا نموًا قويًا للربع الثاني على التوالي بنسبة 24% على أساس ربعي، في حين تسارعت وتيرة النمو السنوي لتصل إلى 47%، وهو أعلى معدل نمو سنوي منذ أربع سنوات.
وجاءت هذه الطفرة نتيجة النشاط اللافت في القطاع التجاري، الذي حقق مبيعات قياسية بلغت 441 مليون دينار، بفضل إبرام عدد من الصفقات الكبرى في محافظة الأحمدي، حيث وصلت قيمة العقود الموقعة خلال شهر أغسطس وحده إلى نحو 240 مليون دينار، ما يشير إلى ثقة المستثمرين المتزايدة في الجدوى الاقتصادية للعقارات التجارية.
تباين الأداء بين القطاعات العقارية
رغم الزخم الكبير الذي حققه القطاع التجاري، فإن أداء القطاعات الأخرى جاء متباينًا. فقد واصل القطاع السكني نموه ولكن بوتيرة محدودة، متأثرًا بارتفاع الأسعار ومحدودية المعروض من الأراضي والوحدات السكنية الجديدة، فضلًا عن القيود المتعلقة بقدرة المواطنين والمقيمين على تحمل تكاليف الشراء.
أما القطاع الاستثماري، فقد أظهر مرونة واضحة في مواجهة التباطؤ الاقتصادي، مستفيدًا من استمرار الطلب على الوحدات المؤجرة، لا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والمواقع القريبة من الخدمات الحيوية.
تغيرات الأسعار واتجاهات السوق
من ناحية الأسعار، شهد الربع الثالث من عام 2025 تراجعًا طفيفًا في متوسط أسعار العقارات، خاصة في القطاع السكني، نتيجة لتباطؤ الطلب على الشراء وارتفاع معدلات الفائدة خلال الأشهر الماضية.
ومع ذلك، لا يزال الاتجاه العام للأسعار إيجابيًا مقارنة بمستويات العام الماضي، إذ يتوقع الخبراء أن تشهد الأسعار استقرارًا أو ارتفاعًا طفيفًا خلال الأشهر المقبلة مع توقعات بانخفاض أسعار الفائدة وعودة الزخم إلى السوق العقاري بفضل الإصلاحات المنتظرة في قانون التمويل العقاري، الذي يهدف إلى تسهيل الحصول على التمويلات السكنية والتجارية.
مرونة القطاع الاستثماري رغم التحديات
وعلى الرغم من التباطؤ الملحوظ في مبيعات القطاعين السكني والاستثماري عند استبعاد النشاط التجاري، فإن القطاع الاستثماري واصل إظهار مرونته وقوته في مواجهة التحديات.
فقد بلغت قيمة المبيعات الاستثمارية نحو 407 ملايين دينار خلال الربع الثالث، مدعومة بارتفاع القروض المصرفية الموجهة إلى القطاع العقاري بنسبة 7% على أساس سنوي خلال شهري يوليو وأغسطس الماضيين.
كما ساهمت التعديلات التنظيمية الأخيرة في دعم هذا القطاع، ولا سيما تلك المتعلقة بأنظمة السكن الاستثماري وملكية الأجانب للعقارات، والتي فتحت المجال أمام المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية للاستثمار في السوق الكويتي.
ورغم أن نمو مبيعات الاستثمار تباطأ إلى 28% على أساس سنوي، إلا أن هذا المعدل ما يزال جيدًا مقارنة بالطفرة الاستثنائية التي شهدها الربع الثاني من العام، والتي بلغت حينها 116%، مما يؤكد استمرار قوة الطلب على العقارات ذات العائد الثابت والمضمون.
العوامل المحفزة للنمو المستقبلي
من المتوقع أن تواصل السوق العقارية الكويتية أداءها الإيجابي خلال الفترة المقبلة، بدعم من مجموعة من العوامل الاقتصادية والتنظيمية.
فمن جهة، تسعى الحكومة إلى تعزيز بيئة الاستثمار العقاري عبر سن تشريعات جديدة لتسهيل عمليات التمويل وتبسيط إجراءات التملك، في حين يترقب المستثمرون إقرار قانون التمويل العقاري الذي من شأنه أن يمنح السوق دفعة قوية.
ومن جهة أخرى، فإن السياسات النقدية التيسيرية المتوقعة، خاصة في حال خفض أسعار الفائدة، ستساهم في زيادة الإقبال على شراء العقارات كملاذ استثماري آمن ومستقر.
في ضوء هذه المؤشرات، يرى المحللون أن السوق العقاري الكويتي يسير بخطى ثابتة نحو مرحلة جديدة من النمو المستدام، خصوصًا مع استمرار النشاط في القطاع التجاري، وتزايد الطلب على العقارات الاستثمارية المدرة للدخل.
كما يُتوقع أن تسهم المشروعات التنموية الكبرى، ضمن خطة الكويت 2035، في رفع جاذبية السوق وتعزيز فرص الاستثمار المحلي والأجنبي على حد سواء.
ومع توافر مقومات الاستقرار المالي، والإصلاحات التشريعية المنتظرة، يبدو أن القطاع العقاري في الكويت مقبل على مرحلة مزدهرة تعيد له بريقه التاريخي كأحد أعمدة الاقتصاد الوطني وأهم محركات النمو في الدولة.







