وأفادت وسائل إعلام فلسطينية محلية بأن الاشتباكات اندلعت في ساعات الصباح الأولى داخل عدد من أحياء مدينة غزة، تحديدًا في محيط حي الصبرة ومنطقة تل الإسلام، حيث شهدت المنطقة تبادلًا مكثفًا لإطلاق النار بين قوات تابعة لوحدة “سهم” الأمنية التابعة لحركة حماس، وعدد من أفراد عائلة دغمش التي تُعد من أبرز العائلات المسلحة في القطاع.
وبحسب شهود عيان، فإن المواجهات تسببت في حالة من الذعر بين السكان، خصوصًا مع استخدام الأسلحة النارية الثقيلة والمتوسطة، مما دفع العديد من الأسر إلى مغادرة منازلها في المناطق القريبة من الاشتباكات، في حين هرعت سيارات الإسعاف إلى المكان لنقل المصابين.
خلفية الاشتباكات وتفاصيل الاتهامات
وأشارت مصادر محلية إلى أن هذه المواجهات تأتي على خلفية اتهامات وجهتها أجهزة الأمن التابعة لحماس إلى بعض أفراد العائلات الفلسطينية بـ”التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي”، وهي الاتهامات التي نفتها تلك العائلات بشدة، معتبرة أنها “ذرائع لتصفية حسابات داخلية” لا علاقة لها بالأمن الوطني.
العائلات التي وردت أسماؤها في هذه الأحداث تشمل عائلات المجايدة ودغمش وأبو سمرة، وهي من العائلات ذات النفوذ الاجتماعي والامتداد العشائري الواسع في قطاع غزة. وتشير بعض التقارير إلى أن الخلافات بين هذه العائلات وبعض الأجهزة الأمنية في القطاع ليست جديدة، بل تعود إلى سنوات سابقة، حيث اندلعت مواجهات مشابهة في أوقات متفرقة خلال الأعوام الماضية.
مقتل الناشط صالح الجعفراوي
الناشط صالح الجعفراوي، الذي يعد من الأسماء المعروفة في الأوساط الشبابية والإعلامية الفلسطينية، كان من أوائل الذين توجهوا إلى موقع الاشتباكات صباح اليوم لتوثيق ما يجري. وبحسب روايات متقاطعة، فقد فقد الاتصال به بعد فترة وجيزة من بدء المواجهات، قبل أن تؤكد مصادر محلية مقتله متأثرًا بإصابته خلال تبادل إطلاق النار.
وأعلن والد الجعفراوي في وقت سابق عبر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي أنه فقد الاتصال بنجله أثناء تغطيته الميدانية للأحداث، داعيًا الجهات المعنية إلى المساعدة في الوصول إليه. وبعد ساعات من البحث، أكدت المصادر نبأ مقتله، ما أثار حالة من الحزن الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي بين النشطاء الفلسطينيين.
وشهدت صفحات التواصل في غزة حملة تضامن واسعة، إذ عبّر المئات من أصدقاء الجعفراوي وزملائه عن حزنهم العميق لفقدانه، مؤكدين أنه كان من الأصوات الشبابية الساعية لنقل الحقيقة، وأنه لم يكن طرفًا في أي صراع سياسي أو عائلي.
وفي أول تعليق رسمي، لم تصدر حركة حماس حتى الآن بيانًا تفصيليًا بشأن مقتل الجعفراوي، مكتفية بالإشارة إلى “استمرار العملية الأمنية لملاحقة مطلوبين”، في حين طالبت مؤسسات حقوقية فلسطينية بفتح تحقيق شفاف ومستقل في ملابسات مقتله، باعتباره ناشطًا مدنيًا لم يكن طرفًا في النزاع المسلح.
كما دعا مركز الميزان لحقوق الإنسان والمرصد الأورومتوسطي إلى ضرورة ضبط النفس، وتجنب استخدام القوة المفرطة داخل المناطق السكنية، مؤكدين أن استمرار هذه الاشتباكات يهدد السلم الأهلي ويعمّق الانقسام الداخلي في القطاع.
سياق أوسع: غزة بين الأمن الداخلي والانقسام السياسي
يأتي هذا الحادث في وقت تعيش فيه غزة حالة من التوتر السياسي والاجتماعي نتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي والانقسام الداخلي بين الفصائل الفلسطينية، فضلًا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان.
ويشير محللون إلى أن تكرار المواجهات الداخلية يعكس تحديات حقيقية أمام حركة حماس في إدارة الوضع الأمني داخل القطاع، خاصة مع انتشار السلاح بين بعض المجموعات والعائلات التي تمتلك نفوذًا محليًا قويًا. كما يرون أن الحوادث الأخيرة تضع الحركة أمام ضغوط سياسية وشعبية متزايدة لتجنب تكرار مثل هذه الاشتباكات التي تثير مخاوف من انفلات أمني شامل.
من جهة أخرى، يرى بعض المراقبين أن اتهامات “التعاون مع الاحتلال” أصبحت تُستخدم أحيانًا كغطاء لتبرير حملات أمنية تستهدف المعارضين أو المنتقدين، ما يثير تساؤلات حول معايير العدالة وشفافية الإجراءات في مثل هذه القضايا الحساسة.
الجعفراوي.. صوت شبابي فقدته غزة
يُذكر أن صالح الجعفراوي كان ناشطًا معروفًا في المجالين الإعلامي والاجتماعي، وشارك في عدة مبادرات شبابية تهدف إلى تسليط الضوء على معاناة سكان غزة ودعم الفئات المهمشة. كما اشتهر بتغطيته الميدانية للأحداث الميدانية عبر حساباته على منصات التواصل الاجتماعي، ما أكسبه متابعة واسعة بين الشباب الفلسطيني.
رحيل الجعفراوي بهذا الشكل المأساوي أعاد إلى الأذهان ملف سلامة الصحفيين والناشطين الميدانيين في المناطق الساخنة، خصوصًا في ظل غياب الحماية القانونية الكافية لهم داخل مناطق النزاع.
دعوات للتهدئة وإنهاء النزاع
وفي ختام اليوم، سادت حالة من الهدوء الحذر في مدينة غزة بعد تدخل وسطاء محليين من وجهاء العائلات لاحتواء الموقف، وسط مطالبات بوقف إطلاق النار فورًا وفتح قنوات حوار لتسوية الخلافات دون اللجوء إلى السلاح.
ولا يزال الشارع الفلسطيني يعيش على وقع الصدمة بعد إعلان مقتل الجعفراوي، الذي تحوّل في غضون ساعات إلى رمز جديد لضحايا الفوضى الداخلية والانقسام الفلسطيني، بينما تبقى الأسئلة معلقة حول من يتحمل المسؤولية، وكيف يمكن منع تكرار مثل هذه الحوادث المؤلمة في المستقبل.
