علاج ألزهايمر يتحول إلى أمل جديد في مواجهة اضطراب التوحد . أظهرت دراسة علمية حديثة بارقة أمل جديدة في مجال علاج اضطراب طيف التوحد، إذ كشفت أن دواء «ميمانتين»، الذي طُوّر في الأصل لعلاج مرض ألزهايمر، قد يُسهم في تحسين مهارات التواصل الاجتماعي لدى المراهقين المصابين بالتوحد.
هذه النتائج، التي صدرت عن فريق بحثي من مستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن، تمثل خطوة واعدة نحو تطوير خيارات علاجية فعالة لحالات التوحد التي لا تزال حتى اليوم تفتقر إلى أدوية محددة معتمدة لعلاجها بشكل مباشر.
تفاصيل الدراسة
شملت الدراسة 42 مراهقًا تتراوح أعمارهم حول 13 عامًا، جرى تقسيمهم إلى مجموعتين: الأولى تلقت دواء «ميمانتين» المعروف تجاريًا باسم «إبيكسا»، والثانية حصلت على دواء وهمي للمقارنة.
ويُستخدم هذا العقار عادة لعلاج مرضى ألزهايمر الذين لا يستجيبون للعلاجات التقليدية، إذ يعمل عن طريق تنظيم نشاط مادة الغلوتامات في الدماغ، وهي ناقل عصبي أساسي يؤدي فرط نشاطه إلى خلل في التواصل العصبي، مما قد يرتبط باضطرابات عصبية وسلوكية متعددة، من بينها التوحد.
نتائج مبشرة
بعد 12 أسبوعًا من المتابعة المنتظمة، لاحظ الباحثون تحسنًا ملحوظًا في مهارات التواصل الاجتماعي لدى أكثر من نصف المراهقين الذين تناولوا «ميمانتين»، في حين لم تتجاوز نسبة التحسن بين من تناولوا العلاج الوهمي 20%. وأظهرت البيانات أن فرص الاستجابة للعلاج كانت أعلى بنحو 4.8 مرات لدى المشاركين الذين تناولوا العقار الحقيقي، ما يشير إلى وجود تأثير فارق واضح بين المجموعتين.
العلاقة بين الغلوتامات والتوحد
وأوضحت الدراسة أن التأثير الإيجابي للعقار كان أوضح لدى المراهقين الذين لديهم مستويات مرتفعة من مادة الغلوتامات في الدماغ، وهي مادة يُعتقد أن لها دورًا رئيسيًا في تطور بعض أعراض التوحد، مثل صعوبات التواصل، وفرط الحساسية للأصوات، أو التفاعل المبالغ فيه مع الألم. هذا الترابط يدعم النظرية القائلة إن اختلال توازن الغلوتامات قد يكون أحد العوامل العصبية المسببة لاضطرابات التفاعل الاجتماعي لدى مرضى التوحد.
آفاق علاجية جديدة
يرى القائمون على الدراسة أن هذه النتائج قد تمهد الطريق أمام اعتماد «ميمانتين» كخيار علاجي مساعد في حالات التوحد، خصوصًا للمراهقين الذين يعانون من أعراض متوسطة إلى خفيفة. كما يؤكد الباحثون أن الدواء قد يساعد في تحسين نوعية الحياة لدى المرضى عبر تعزيز قدرتهم على التفاعل والتواصل بشكل أفضل مع الآخرين.
الحاجة إلى المزيد من الأبحاث
رغم النتائج الواعدة، شدد الباحثون على ضرورة إجراء تجارب أوسع وأكثر تنوعًا للتأكد من فعالية الدواء على المدى الطويل، ولتحديد الجرعات المثلى والفئات العمرية الأكثر استفادة. كما أشاروا إلى أن العينة المشاركة اقتصرت في معظمها على المراهقين من ذوي البشرة البيضاء، ولم تشمل المصابين بتوحد مصحوب بإعاقات ذهنية، ما يجعل من الصعب تعميم النتائج على جميع الفئات.
تفتح هذه الدراسة باب الأمل أمام ملايين الأسر التي تبحث عن علاج فعّال يحسن من قدرات أبنائها على التفاعل الاجتماعي، وتؤكد في الوقت ذاته أهمية استكشاف أدوية قائمة قد تكون مفيدة في مجالات علاجية أخرى.
وإذا ما أثبتت الدراسات المستقبلية النتائج ذاتها على نطاق أوسع، فقد يشكل «ميمانتين» إضافة مهمة إلى ترسانة العلاجات الداعمة لمرضى التوحد، جامعًا بين الأمان والفعالية، ومقدمًا نموذجًا جديدًا لما يمكن أن يحققه العلم من تداخل بين تخصصات الطب العصبي والنفسي.







