ويعني هذا الرقم أن واحدًا من بين كل ثلاثة مواطنين تقريبًا في أوروبا يستخدم التطبيق بشكل دوري، مما يرسخ مكانته كواحدة من أبرز منصات التواصل الاجتماعي في العالم. ويأتي هذا النمو اللافت مقارنة بالعام الماضي، حينما أعلنت الشركة أن أعداد مستخدميها في أوروبا بلغت نحو 175 مليون مستخدم فقط موزعين على 32 دولة أوروبية.
الانتشار العالمي للمنصة
لم يكن نجاح تيك توك في أوروبا مجرد صدفة، بل يعكس توجهًا عالميًا متصاعدًا، إذ تجاوز التطبيق حاجز مليار مستخدم نشط شهريًا حول العالم. هذا الانتشار الواسع يعكس جاذبية المحتوى القصير، وسهولة الاستخدام، والتأثير الكبير الذي يتركه التطبيق بين فئة الشباب والمراهقين على وجه الخصوص.
فمن خلال مقاطع الفيديو السريعة الممزوجة بالموسيقى والمؤثرات، استطاع تيك توك أن يحجز مكانة فريدة في السوق، متفوقًا على العديد من المنصات التقليدية التي تحاول الآن تقليده عبر خاصيات الفيديو القصير مثل “ريلز” على إنستجرام و”شورتس” على يوتيوب.
تحديات وضغوط سياسية في الولايات المتحدة
ورغم هذا النمو الكبير، لا يخلو الطريق أمام تيك توك من العقبات. فقد واصلت المنصة مواجهة ضغوط سياسية واقتصادية، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يطالب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ببيع أصول تيك توك داخل الولايات المتحدة لصالح شركات أميركية.
وتأتي هذه المطالب وسط مخاوف متزايدة تتعلق بأمن البيانات وحماية خصوصية المستخدمين الأميركيين، إذ يتهم بعض المسؤولين الشركة الصينية بأنها قد تشكل تهديدًا على الأمن القومي بسبب ارتباطها المحتمل بالحكومة الصينية. هذا الجدل أثار نقاشات حادة داخل الكونجرس الأميركي، وفتح الباب أمام فرض قيود أو حتى حظر محتمل للمنصة في بعض الولايات.
غرامات أوروبية وتدقيق تنظيمي
لم تتوقف التحديات عند الضغوط الأميركية فقط، بل امتدت أيضًا إلى أوروبا التي تُعد ثاني أكبر سوق لتطبيق تيك توك. ففي مايو الماضي، فرض الاتحاد الأوروبي غرامة مالية ضخمة على الشركة بلغت 530 مليون يورو (ما يعادل نحو 600 مليون دولار أميركي)، بسبب انتهاكات تتعلق بخصوصية بيانات المستخدمين، خاصة القُصّر.
هذه الغرامة تعكس حجم التدقيق القانوني والتنظيمي الذي تخضع له المنصة في المنطقة، في ظل تشديد القوانين الأوروبية الخاصة بالبيانات والمعروفة باسم اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR).
عوامل نجاح تيك توك في أوروبا
يرجع انتشار تيك توك السريع في أوروبا إلى عدة عوامل أساسية، أبرزها:
المحتوى الترفيهي القصير: الذي يتيح للمستخدمين التعبير عن أنفسهم بطرق مبتكرة وسريعة.
الخوارزميات الذكية: التي تقترح مقاطع فيديو بناءً على اهتمامات كل مستخدم، مما يزيد من معدلات التفاعل والإدمان على المنصة.
تنوع المستخدمين: إذ لم يعد التطبيق حكرًا على فئة المراهقين فقط، بل اجتذب فئات عمرية أوسع بما في ذلك المشاهير والشركات والعلامات التجارية.
الفرص التسويقية: حيث أصبح تيك توك منصة أساسية للتسويق الرقمي والإعلانات، ما دفع الشركات الكبرى والصغرى على حد سواء إلى الاستثمار فيه.
البعد الاقتصادي والاجتماعي
تجاوز تيك توك كونه مجرد تطبيق ترفيهي ليصبح جزءًا من الاقتصاد الرقمي العالمي. ففي أوروبا وحدها، يُقدّر أن مئات الآلاف من صانعي المحتوى باتوا يعتمدون على المنصة كمصدر دخل رئيسي أو إضافي، سواء عبر الإعلانات المباشرة أو التعاون مع العلامات التجارية.
كما ساهم التطبيق في خلق فرص عمل جديدة في مجالات التسويق الرقمي، الإنتاج الإعلامي، وتصميم المحتوى. وعلى الصعيد الاجتماعي، تحول تيك توك إلى مساحة للتعبير عن الرأي، ونشر الوعي بقضايا مختلفة، بدءًا من حملات الصحة العامة وحتى المناقشات السياسية.
مستقبل تيك توك في ظل التحديات
رغم هذه الإنجازات، يبقى مستقبل تيك توك مرهونًا بمدى قدرته على التكيف مع الضغوط الدولية والالتزام بالقوانين المحلية في الأسواق الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
ويرى الخبراء أن استمرار التطبيق في تحقيق النمو يتطلب مزيدًا من الشفافية في إدارة البيانات، وتعزيز أدوات الرقابة الأبوية لحماية القُصّر، إضافة إلى الاستثمار في تحسين الصورة الذهنية للشركة أمام الحكومات الغربية.
نجاح تيك توك في تجاوز 200 مليون مستخدم نشط شهريًا في أوروبا ليس مجرد رقم، بل هو دليل على تحولات جوهرية في أنماط استهلاك المحتوى الرقمي عالميًا.
ورغم التحديات التنظيمية والسياسية التي تواجه المنصة، إلا أنها تواصل تعزيز مكانتها كقوة لا يستهان بها في عالم الإعلام الرقمي، وهو ما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في رسم ملامح المستقبل التكنولوجي والاجتماعي في السنوات المقبلة.