الألعاب الإلكترونية تزدهر عالميًا بفضل التطور الرقمي والإنترنت . كتاب جديد يكشف أسرار التحول التاريخي للألعاب الإلكترونية ودورها في الاقتصاد الرقمي كما يصدر قريبًا عن دار العربي للنشر كتاب جديد يحمل عنوان “الألعاب الإلكترونية.. من الترفيه إلى الثورة الرقمية” للباحث الدكتور فتحي حسين عامر.
والذي يقدم من خلاله رؤية تحليلية متعمقة حول نشأة وتطور الألعاب الإلكترونية، وكيف تحولت من مجرد وسيلة ترفيهية إلى صناعة رقمية عالمية تدر مليارات الدولارات، وتؤثر بشكل مباشر في اقتصادات الدول.
ويشير الدكتور فتحي في مقدمة كتابه إلى أن بذور الألعاب الإلكترونية تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث ظهرت كصيحة جديدة تعتمد على تقنيات الحواسيب البدائية، وكانت حينها محدودة الانتشار وغير متاحة للجمهور العام.
ومع مرور الوقت، ظلت هذه الألعاب حبيسة أجهزة الكمبيوتر المعقدة حتى جاء العام 1981، الذي يُعد علامة فارقة في تاريخ الألعاب الإلكترونية، فقد شهد هذا العام انطلاقة الإنترنت على المستوى العالمي، مما أدى إلى نقلة نوعية غير مسبوقة في عالم الألعاب، حيث أصبحت تنتشر عبر الشبكة العنكبوتية بسرعة مذهلة، لتصل إلى ملايين المستخدمين حول العالم.
من الحواسيب إلى الهواتف الذكية.. رحلة تطور الألعاب الإلكترونية
يؤكد الكاتب أن بداية الألفية الجديدة مثلت مرحلة جديدة في تطور الألعاب، مع ظهور ألعاب تحاكي الواقع بدرجة عالية من الدقة والتفاصيل. وقد ساهمت ثورة الهواتف الذكية واتصالها الدائم بالإنترنت في تسريع وتوسيع هذا التحول، حيث أصبحت الألعاب متاحة للجميع، في أي وقت ومكان، من خلال لمسة إصبع واحدة.
كما مهدت هذه المرحلة لظهور ألعاب تشاركية عالمية مثل “بابجي” و”فورتنايت“، التي تجمع اللاعبين من مختلف دول العالم في تجربة افتراضية واحدة تحاكي الواقع بشكل مثير ومدهش.
ويضيف عامر أن التحول الكبير في نظرة المجتمعات إلى الألعاب الإلكترونية لم يقتصر فقط على جانب الترفيه، بل امتد ليشمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية وثقافية، إذ أصبحت صناعة الألعاب الإلكترونية واحدة من أكبر القطاعات الاقتصادية نموًا في العالم.
ولها تأثير مباشر على الناتج المحلي في العديد من الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، إلى جانب دول مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى دول عربية واعدة مثل السعودية والإمارات.
سوق واعد ومصدر دخل قومي
بحسب الكتاب، أصبحت الألعاب الإلكترونية تمثل قطاعًا اقتصاديًا مستقلًا يمكن التعويل عليه في تعزيز الدخل القومي وتحقيق التنمية الاقتصادية. ففي ظل التحديات المالية والضغوط الاقتصادية التي تواجهها بعض الدول، يرى الكاتب أن الدخول الجاد في سوق الألعاب الإلكترونية لم يعد رفاهية.
بل هو ضرورة اقتصادية واستثمارية، كما يوضح أن هناك بالفعل بعض المحاولات الجادة في مصر والمنطقة العربية، لكنها لا تزال دون المستوى المطلوب لتحقيق عوائد اقتصادية ملموسة.
ويستشهد عامر بعدة نماذج عالمية، منها اليابان والصين والهند، والتي استطاعت بفضل دعمها لصناعة الألعاب أن تحقق عوائد سنوية بمليارات الدولارات، فضلًا عن توفير آلاف فرص العمل وتحفيز الابتكار التقني.
ويضيف أن أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي أولت هذه الصناعة اهتمامًا كبيرًا، حتى أصبحت من مصادر الدخل القومي الأساسية، وهو ما يستوجب على الدول العربية السير في هذا الاتجاه بقوة وثقة.
التحول الرقمي وقوة الهواتف الذكية
يتناول الكتاب أيضًا أهمية التحول الرقمي باعتباره المحرك الرئيسي لنمو صناعة الألعاب، خصوصًا بعد ظهور أول هاتف ذكي في عام 2007، وهو الحدث الذي غيّر قواعد اللعبة بالكامل.
فقد أتاح ذلك للمطورين فرصة إنشاء تطبيقات ألعاب متنوعة وسهلة الوصول من خلال متاجر إلكترونية مثل App Store وGoogle Play، مما جعل الوصول إلى الألعاب أكثر بساطة وسرعة من أي وقت مضى.
ويضيف الكاتب أن تطور الهواتف الذكية وأنظمة التشغيل مثل iOS وAndroid فتح الباب أمام جيل جديد من المطورين المستقلين لإنتاج ألعاب مبتكرة تلبي أذواق شريحة واسعة من المستخدمين، ما أدى إلى تنوع غير مسبوق في أشكال الألعاب، سواء من حيث النوع أو الفئة المستهدفة أو آليات اللعب.
منافسة عالمية شرسة.. والشرق الأوسط يدخل المشهد
بحسب ما ورد في الكتاب، بلغ حجم سوق الألعاب الإلكترونية عالميًا نحو 235 مليار دولار في عام 2024، وفقًا لتقديرات مؤسسة “نيوزو” المتخصصة في إحصائيات الألعاب، وهو رقم يضع هذه الصناعة في صدارة القطاعات الأكثر ربحًا عالميًا.
ويشير الدكتور فتحي حسين إلى أن المنافسة تحتدم اليوم بين الولايات المتحدة والصين للسيطرة على الحصة الأكبر من هذا السوق، من خلال امتلاك أكبر الشركات المطورة والناشرة للألعاب مثل Tencent وActivision Blizzard وSony وغيرها.
لكن ما يلفت النظر أن دولًا من منطقة الشرق الأوسط بدأت تظهر بقوة على خارطة التنافس العالمي، لا سيما السعودية والإمارات، اللتين خصصتا ميزانيات ضخمة لدعم الاستثمار في الألعاب الإلكترونية، بل واستضافة بطولات عالمية للألعاب التنافسية (E-sports)، إلى جانب تأسيس حاضنات أعمال ومراكز ابتكار لدعم مطوري الألعاب المحليين.
صناعة الألعاب.. بين الترفيه والاقتصاد والثقافة
يشير الكتاب إلى أن أهمية الألعاب الإلكترونية لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تشمل أيضًا أبعادًا اجتماعية وثقافية وتربوية، حيث أصبحت وسيلة فعالة لنشر القيم وتبادل الثقافات وتعزيز روح التعاون والإبداع بين الشباب. كما أنها أصبحت تندمج تدريجيًا في مجال التعليم والتدريب من خلال الألعاب التعليمية والمحاكاة التفاعلية.
ويختتم الدكتور فتحي حسين عامر كتابه بدعوة صريحة لصناع القرار في العالم العربي للاستفادة من فرص النمو الكبيرة في هذا القطاع، مؤكدًا أن المستقبل لمن يستثمر في التكنولوجيا ويواكب تحولات العصر. ويرى أن الرهان على صناعة الألعاب الإلكترونية هو رهان على المستقبل، وأن من لا ينخرط فيها الآن، قد يتأخر كثيرًا في سباق الاقتصاد الرقمي العالمي.