تنبيهات مناعية 5 مؤشرات على أن جسدك يواجه مرضًا دون أن تدري . الألم المزمن حين يتحول الشعور إلى عبء عصبي خفي ويُعد الألم المزمن من أكثر المشكلات الصحية التي تؤثر بعمق على جودة حياة الإنسان.
إذ لا يقتصر تأثيره على الجانب الجسدي فحسب، بل يمتد ليطال الصحة النفسية والاجتماعية. فالألم الذي يستمر لأشهر أو سنوات دون تحسن واضح، لا يُعد شعورًا عابرًا يمكن التغاضي عنه، بل هو تجربة مرهقة تستنزف طاقة الفرد وتحرمه من الاستمتاع بحياته اليومية.
كثير ممن يعانون من الألم المزمن يجدون أنفسهم في عزلة عن محيطهم، يعانون من اضطرابات في النوم، وتعتريهم مشاعر سلبية قد تتفاقم لتصل إلى الاكتئاب أو القلق الحاد.
وفي حين أن بعض أنواع الألم المزمن يمكن تفسيرها بوضوح – نتيجة لإصابة جسدية، أو حالة طبية مزمنة – فإن هناك الملايين من المرضى حول العالم لا تظهر فحوصاتهم الطبية أي سبب واضح لألمهم. وهنا تحديدًا تبدأ الحيرة، وتدخل رحلة التشخيص والعلاج في منطقة رمادية محيرة، يتنقل فيها المريض بين العيادات دون طائل.
في هذا السياق، برزت مؤخرًا مفاهيم طبية جديدة تسعى إلى تفسير هذا النوع الغامض من الألم، من أبرزها “الألم العصبي اللدون” (Neuroplastic Pain).
يشير هذا المصطلح إلى نوع من الألم لا يرتبط بوجود تلف حقيقي في الأنسجة أو خلل عضوي مباشر، وإنما ينشأ من اضطراب في معالجة الجهاز العصبي لإشارات الألم. ويعود السبب إلى قدرة الدماغ المعروفة باسم “اللدونة العصبية” (Neuroplasticity)، وهي خاصية تتيح له التكيف وإعادة تشكيل نفسه استجابة للتجارب والخبرات.
في الأحوال الطبيعية، تلعب اللدونة العصبية دورًا حيويًا في عملية التعلم والتكيف، ولكن في بعض الحالات تتحول هذه الميزة إلى نقمة. إذ يمكن أن يعيد الدماغ برمجة مساراته العصبية بحيث يصبح أكثر حساسية تجاه إشارات جسدية بسيطة، بل وقد يُخطئ في تفسير إشارات غير مؤذية على أنها مؤشرات خطر تستوجب استجابة مؤلمة.
الدكتور “ديفيد كلارك”، رئيس جمعية علاج أعراض الألم الناتج عن اللدونة العصبية، يوضح أن الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من الألم غالبًا ما يشعرون بتضخيم للإحساس الجسدي. لمسة خفيفة، حركة بسيطة، أو حتى التفكير في موقف مزعج، قد تثير لديهم استجابة ألم شديدة، وكأن أجسادهم تعيش في حالة استنفار دائم.
ولا تقتصر تداعيات هذه الظاهرة على الألم الجسدي فقط، بل تمتد إلى أعراض مزمنة أخرى مثل: الإرهاق المستمر، اضطرابات الجهاز الهضمي، الصداع المتكرر، أو ما يُعرف طبيًا بـ”كوفيد طويل الأمد”. كما ترتبط هذه الأعراض أيضًا بحالات مثل متلازمة القولون العصبي، الألم العضلي الليفي، الصداع النصفي، ومتلازمة التعب المزمن.
ويُجمع العديد من الخبراء على أن الاضطرابات النفسية والتجارب العاطفية المؤلمة، خاصة في مراحل الطفولة، تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل استجابات الجهاز العصبي لاحقًا.
فالأشخاص الذين تعرضوا لإهمال، عنف أسري، أو فقدان أحد الوالدين، قد يحملون معهم عبئًا عصبيًا يجعلهم أكثر عرضة لتطوير مسارات ألم غير طبيعية لاحقًا في حياتهم.
الدكتور كلارك يحدد 5 علامات رئيسية تدل على أن الشخص قد يعاني من ألم مرتبط باللدونة العصبية:
غياب السبب العضوي: لا تكشف الفحوصات الطبية عن سبب واضح، والعلاجات التقليدية لا تقدم نتائج فعّالة.
استمرار الأعراض: يعاني المريض من أكثر من عرض واحد بشكل مستمر لأكثر من ستة أشهر.
تنقل الألم: الأعراض تظهر في مناطق مختلفة من الجسم أو تنتقل بين أماكن متعددة.
تأثر الأعراض بالحالة النفسية: يلاحظ الشخص أن أعراضه تزداد حدة في أوقات التوتر أو الضغط النفسي.
تأثره العاطفي بالتجارب المماثلة: يشعر المريض بحزن أو قلق عند علمه بأن طفلًا يمر بتجربة مشابهة لما مرّ به في صغره، ما يدل على وجود ارتباط نفسي عميق بين الألم الحالي وتجارب سابقة.
والجانب الإيجابي هنا أن هذا النوع من الألم يمكن علاجه بطرق فعّالة لا تعتمد على المسكنات أو العقاقير فقط. فقد أثبتت الأبحاث أن الدماغ، باعتباره عضوًا قابلًا لإعادة التشكيل، يمكن “إعادة تدريبه” عبر أساليب علاجية سلوكية وعصبية تستهدف تعديل استجاباته للألم.
من هذه الأساليب:
تمارين الإدراك الذاتي والوعي الجسدي
العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
التعرض التدريجي للمحفزات
التأمل وتمارين التنفس العميق
إعادة التأطير المعرفي للتجارب المؤلمة
وقد أظهرت هذه التقنيات نتائج واعدة في تحسين حياة المصابين بالألم العصبي اللدون، والتقليل من اعتمادهم على الأدوية، بل في بعض الحالات أدى إلى زوال الألم تمامًا.
في النهاية، من المهم أن نفهم أن الألم ليس دائمًا مرآة لما يحدث في الجسد، بل هو في كثير من الأحيان انعكاس لما يجري في الدماغ. وفهمنا لهذه العلاقة الدقيقة بين الجهاز العصبي، والحالة النفسية، والتجارب الحياتية، هو الخطوة الأولى نحو علاج أكثر رحمة وفعالية للألم المزمن.