وزارة الصحة الأمريكية ترصد ارتفاعًا حادًا في مرض جنسي خطير بإحدى الولايات . قفزة مرعبة في إصابات الزهري الخلقي بولاية أمريكية وسط إغلاق مختبرات وطنية حيوية وتشهد ولاية ويسكونسن الأمريكية حالة من الطوارئ الصحية بعد تسجيل ارتفاع غير مسبوق في حالات الإصابة بمرض الزهري الخلقي، أحد أخطر الأمراض المنقولة جنسيًا التي تُهدد حياة الأجنة وحديثي الولادة.
فقد كشفت أحدث التقارير الصادرة عن سلطات الصحة بالولاية عن قفزة بنسبة 1450% في عدد الإصابات خلال السنوات الخمس الماضية، مما أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الطبية والصحية على المستوى المحلي والفيدرالي.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، تم تسجيل 31 حالة إصابة بالزهري الخلقي في عام 2024، مقارنةً بحالتين فقط تم الإبلاغ عنهما في عام 2019. هذه الأرقام تعكس واقعًا صادمًا لا يتعلق فقط بتفشي المرض، بل أيضًا بضعف الاستعدادات الحكومية وتراجع دور المختبرات الوطنية المعنية بمكافحة الأمراض المنقولة جنسيًا.
الزهري الخلقي.. تهديد صامت للأجيال القادمة
يُعد الزهري الخلقي أحد أشد أنواع العدوى التي تنتقل من الأم إلى الجنين أثناء الحمل، وتكمن خطورته في أنه غالبًا لا تظهر له أعراض واضحة في البداية، مما يؤدي إلى مضاعفات صحية جسيمة، منها الولادة المبكرة، وفاة الجنين داخل الرحم، أو ولادته بعيوب خلقية خطيرة كالصمم أو تلف العينين أو حتى إصابة الجهاز العصبي.
وتحذر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) من أن هذا النوع من الزهري قابل للوقاية بنسبة 100% إذا تم اكتشافه وعلاجه مبكرًا خلال الحمل، مما يسلط الضوء على أهمية خدمات التشخيص والفحص المبكر للأمهات.
إغلاق المختبرات الوطنية.. ناقوس خطر في مواجهة الأوبئة
ما زاد من تعقيد الوضع هو إغلاق مختبرين وطنيين رئيسيين خلال الفترة الماضية، كانا يعتبران من أهم المؤسسات في البلاد لرصد وتتبع انتشار الأمراض المنقولة جنسيًا، وعلى رأسها الزهري والسيلان والكلاميديا.
إغلاق هذه المختبرات، التي كانت تمثل الخط الدفاعي الأول في مواجهة التفشيات، ترك فراغًا علميًا وفنيًا هائلًا، وهو ما عبرت عنه جهات صحية عديدة أبرزها جمعية مختبرات الصحة العامة (APHL)، التي وصفت ما حدث بأنه “خسارة وطنية فادحة”.
وقالت الجمعية إن أحد المختبرين المغلقين كان يعمل بالفعل على تحليل تفشٍ جديد لالتهاب الكبد في فلوريدا وقت اتخاذ القرار، مما أدى إلى تعطيل التحقيقات وتأخير الاستجابة السريعة، وهو أمر يهدد صحة العامة على مستوى البلاد.
تصريحات مسؤولي الصحة في ويسكونسن
من جانبها، عبّرت “بولا تران”، مفوضة الصحة العامة في ولاية ويسكونسن، عن بالغ قلقها من تصاعد أعداد المصابين، مؤكدة أن “الأمراض المنقولة جنسيًا لا تزال تشكل خطرًا حقيقيًا، خاصةً في أوساط الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، والذين يمثلون تقريبًا نصف إجمالي الحالات المسجلة في 2024، والبالغ عددها أكثر من 31,500 إصابة”.
وأضافت تران أن الوقاية من هذه الأمراض ممكنة تمامًا، لكنها تتطلب خدمات صحية متكاملة، وفحوصات دورية، إلى جانب برامج تثقيف جنسي دقيقة وفعالة، خاصة في المدارس والمجتمعات الأكثر عرضة.
انتقادات لاذعة للإدارة الأمريكية
قرار وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية (HHS) بإغلاق المختبرين أثار أيضًا ردود فعل غاضبة من الجمعية الأمريكية للأمراض المنقولة جنسيًا (ASTDA)، والتي وصفت الخطوة بأنها “مفاجئة وغير مبررة”، خاصة في ظل استمرار تفشي أمراض جنسية خطيرة ومقاومة للمضادات الحيوية.
وأشارت الجمعية إلى أن المختبرات كانت تضم أكثر من 40 موظفًا متخصصًا في التجارب الميدانية، وتقدم خدمات تشخيصية واستشارية لا غنى عنها، معتبرة أن فقدان هذه الكفاءات سيؤدي حتمًا إلى تدهور الأداء الصحي العام، خاصة في ظل ضعف إمكانيات بعض الولايات.
هل ستتحرك الإدارة الفيدرالية؟
حتى اللحظة، لم تقدم إدارة الصحة الفيدرالية أي تفسير مفصل أو مبرر منطقي لهذا الإغلاق، مكتفية بتصريح مقتضب حول “إعادة هيكلة البرامج ضمن هيكل تشغيلي جديد”، وهو ما اعتبرته العديد من المنظمات الصحية “تهربًا من المسؤولية” في وقت يشهد فيه القطاع الصحي تحديات متزايدة على أكثر من جبهة
تُظهر هذه الأزمة الصحية المتفاقمة في ويسكونسن أن التهاون في دعم البنية التحتية الصحية، خاصة تلك المعنية بالأمراض المنقولة جنسيًا، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية، ليس فقط على مستوى ولاية واحدة، بل على نطاق وطني.
ولعل ما يزيد من خطورة الموقف أن تفشي الزهري الخلقي، وغيره من الأمراض، يحدث في وقت يشهد فيه العالم تغيّرات صحية وسلوكية كبيرة، مما يتطلب استجابة عاجلة وشاملة تبدأ بإعادة فتح المختبرات، وزيادة تمويل برامج الوقاية، وتعزيز الوعي المجتمعي بخطورة هذه الأمراض وطرق الوقاية منها.