ورم البروستاتا الحميد بين المعلومة والخرافة رأي طبي يوضح . يشير الدكتور قسطنطين ميسكوف، أخصائي أمراض المسالك البولية، إلى أن تضخم البروستاتا الحميد، المعروف أيضًا بالورم الغدي البروستاتي، يُشخص لدى معظم الرجال بعد سن الستين.
لكن، هل يعني ذلك أن كل رجل متقدم في السن سيعاني بالضرورة من هذا الورم؟ وهل هذا التضخم يُعد مرحلة أولى نحو السرطان؟ تساؤلات كثيرة تملأ عقول الرجال، خاصة مع كثرة المعلومات المتداولة والخرافات المنتشرة، والتي يحرص الطبيب المختص على تصحيحها.
الورم الحميد لا يعني سرطان
أولى الخرافات التي يسعى الدكتور ميسكوف لتفنيدها هي الاعتقاد الشائع بأن تضخم البروستاتا الحميد هو شكل من أشكال السرطان، أو أنه قد يتحول إلى سرطان بمرور الوقت.
ويوضح الطبيب أن هذا المفهوم خاطئ تمامًا من الناحية العلمية والطبية، لأن تضخم البروستاتا الحميد لا يتطور إلى سرطان، ولا يوجد أي ارتباط مباشر بين الاثنين.
فمن الناحية البيولوجية، يشير الطبيب إلى أن الورم الغدي الحميد في البروستاتا هو نتيجة لتكاثر خلايا الأنسجة الغدية بشكل غير سرطاني. ورغم أن هذا التكاثر يسبب أعراضًا مزعجة مثل اضطرابات التبول، إلا أنه لا يحمل خصائص الأورام الخبيثة، مثل الانتشار أو النقائل إلى أعضاء الجسم المجاورة، كالمثانة أو المستقيم أو الأمعاء.
الهرمونات والتقدم في السن.. ولكن ليس للجميع
يشدد الدكتور ميسكوف على أن تضخم البروستاتا الحميد ليس “قدَرًا محتوما” يصيب جميع الرجال مع التقدم في العمر. ويشرح أن الورم الغدي يحدث نتيجة لاختلال توازن هرمونات الذكورة.
وتحديدًا ارتفاع مستوى “ثنائي هيدروتستوستيرون”، وهو أحد مشتقات هرمون التستوستيرون الأساسي لدى الرجال. هذا الخلل الهرموني عادة ما يبدأ في الظهور في سن 40 أو 45 عامًا، ويؤدي إلى نمو الخلايا الغدية بشكل غير طبيعي.
لكن رغم ذلك، فإن تقدم العمر وحده لا يفسر الإصابة. فهناك عوامل أخرى تؤثر على احتمالية ظهور الورم الحميد، مثل نمط الحياة، النشاط البدني، النظام الغذائي، الوراثة، والوضع الهرموني لكل رجل. وبالتالي، فإن تضخم البروستاتا ليس قاعدة مرتبطة بالعمر، بل حالة قد تُصيب البعض دون غيرهم.
ضعف الأداء الجنسي ليس عرضًا رئيسيًا
ومن الخرافات الأخرى الشائعة أن تضخم البروستاتا يؤدي بالضرورة إلى ضعف الأداء الجنسي لدى الرجال. لكن الطبيب يؤكد أن هذه المعلومة غير صحيحة.
فالطب الحديث لم يثبت وجود علاقة مباشرة بين الورم الغدي وبين تراجع الوظائف الجنسية. إذ إن النشاط الجنسي المرتفع لا يُعد سببًا للإصابة بالورم، كما أن المصاب ليس مضطرًا للمعاناة من خلل جنسي حتمي.
بل إن بعض الدراسات تشير إلى أن الاحتقان المزمن في منطقة الحوض قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض لدى بعض الرجال، لكنه لا يُعد سببًا مباشرًا للإصابة، ولا مقياسًا على حدة التضخم.
حجم البروستاتا لا يساوي شدة الأعراض
من الأخطاء المنتشرة كذلك الربط بين حجم البروستاتا وشدة الأعراض. ويوضح الطبيب أن الأمر أكثر تعقيدًا، إذ أن بعض الرجال لديهم تضخم واضح في البروستاتا دون ظهور أعراض حادة، بينما يعاني آخرون من أعراض شديدة رغم أن حجم الغدة لديهم لا يزال ضمن الحدود الطبيعية.
السبب في هذا يكمن في اتجاه نمو الورم الغدي، فحين ينمو في اتجاه المثانة، قد يُحدث انسدادًا نسبيًا في مجرى البول، مما يؤدي إلى أعراض مثل التبول المتكرر ليلاً، صعوبة البدء في التبول، أو الإحساس بعدم إفراغ المثانة بالكامل.
وهذه الأعراض تتطلب تقييمًا سريريًا دقيقًا، وقد تؤدي في بعض الحالات إلى احتباس بولي حاد، وهو أحد أخطر المضاعفات الناتجة عن التضخم.
الجراحة ليست الحل الوحيد
خرافة شائعة أخرى يدحضها الدكتور ميسكوف، وهي أن علاج تضخم البروستاتا يتطلب التدخل الجراحي دائمًا. ويوضح الطبيب أن اختيار نوع العلاج يعتمد على عدة عوامل سريرية، من أهمها حجم الغدة، شدة الأعراض، عمر المريض، والأمراض المصاحبة.
في حالات التضخم الخفيف أو المتوسط، غالبًا ما يكون العلاج الدوائي كافيًا للسيطرة على الأعراض. أما في الحالات المتقدمة أو عندما لا تستجيب الغدة للعلاج الدوائي، فقد يكون التدخل الجراحي هو الخيار الأمثل.
لكن حتى في الجراحة، لم تعد الطرق التقليدية مثل الاستئصال الكامل للبروستاتا هي الوحيدة المتاحة. حيث يشير الدكتور ميسكوف إلى تطور وسائل العلاج، وأبرزها تقنية “Rezum”.
وهي طريقة تعتمد على البخار المائي في تقليص حجم البروستاتا دون الحاجة إلى فتح جراحي. وتتميز هذه التقنية بأنها أقل تدخلًا، وتقل فيها معدلات المضاعفات الجراحية، وتُعد خيارًا ممتازًا لمن يعانون من أورام غدية صغيرة إلى متوسطة الحجم.
التوعية ضرورة.. لا خجل من التشخيص
في نهاية حديثه، يؤكد الدكتور قسطنطين ميسكوف على أهمية نشر الوعي وتفنيد المفاهيم الخاطئة حول تضخم البروستاتا الحميد، الذي يُعد من أكثر أمراض الرجال شيوعًا في مرحلة منتصف العمر وما بعدها.
وينصح كل رجل تجاوز الأربعين بمراقبة أي تغيرات في نمط التبول أو الشعور بانزعاج في منطقة الحوض، وعدم التردد في استشارة طبيب مختص. فكلما تم التشخيص مبكرًا، زادت فرص العلاج الفعّال، وتجنّب المضاعفات التي قد تُؤثر على نوعية الحياة بشكل عام.