وجبة واحدة دسمة.. كيف تغيّر طريقة عمل دماغك؟ كشف فريق دولي من الباحثين عن نتائج مثيرة للقلق تتعلق بتأثير تناول وجبة واحدة غنية بالدهون المشبعة على صحة الدماغ.
فقد تبيّن أن هذا النوع من الأطعمة لا يقتصر ضرره على زيادة الوزن أو ارتفاع الكوليسترول فحسب، بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر على الأوعية الدموية الدقيقة التي تزود الدماغ بالدم والأكسجين والغلوكوز، وهي العناصر الأساسية التي يحتاجها الدماغ ليستمر في أداء وظائفه الحيوية.
وتوضح مجلة The Journal of Nutritional Physiology (JNP)، التي نشرت الدراسة، أن الدماغ من بين أكثر أعضاء الجسم هشاشة، كونه يفتقر إلى احتياطي من الطاقة يمكنه الاعتماد عليه عند حدوث خلل في التغذية الدموية.
ولهذا السبب يعتمد الدماغ على ما يُعرف بآلية “التنظيم الذاتي الدماغي الديناميكي”، وهي عملية فسيولوجية تحافظ على تدفق الدم بشكل ثابت، حتى في حال انخفاض ضغط الدم. لكن المثير أن هذه الآلية تبدأ بالتراجع وفقدان مرونتها بعد تناول وجبة دسمة غنية بالدهون المشبعة، مما يجعل الأوعية أكثر عرضة للتقلبات والاختلالات.
نتائج التجربة السريرية
للتأكد من هذه الفرضية، أجرى الباحثون تجربة شارك فيها 41 رجلاً تراوحت أعمارهم بين 18 و80 عامًا. وُطلب من المتطوعين تناول كوكتيل غني بالحليب الدسم يحتوي على 1362 سعرة حرارية و130 غرامًا من الدهون، وهي كمية تعادل وجبة عشاء دسمة مليئة بالدهون المشبعة.
وبعد مرور أربع ساعات فقط، أظهرت الفحوصات الطبية علامات مقلقة، حيث لوحظ انخفاض واضح في قدرة الأوعية الدموية على التمدد، بالإضافة إلى تراجع فعالية الدماغ في الحفاظ على تدفق دم ثابت ومستقر.
الأكثر خطورة أن التأثير لم يكن متساويًا بين جميع المشاركين؛ فقد ظهر أن الرجال الأكبر سنًا تأثروا بنسبة تصل إلى 10% أكثر مقارنة بالشباب، مما يؤكد أن التقدم في العمر يزيد من هشاشة الجهاز العصبي والدورة الدموية أمام تأثير الأطعمة الدسمة.
الدهون المشبعة في حياتنا اليومية
ورغم أن التوصيات الصحية تنص على أن الحد الأقصى من استهلاك الدهون المشبعة يجب ألا يتجاوز 30 غرامًا يوميًا للرجال و20 غرامًا للنساء، إلا أن الواقع مختلف تمامًا. فالكثير من الأشخاص يتجاوزون هذه النسبة يوميًا عبر تناول الأطعمة السريعة، الوجبات الجاهزة، المقليات، والحلويات المصنعة. ومع تكرار هذه العادة الغذائية، يتضاعف خطر الإصابة بأمراض القلب، السكتات الدماغية، والتدهور المعرفي المبكر.
العلاقة بين الوجبات الدسمة وصحة الدماغ
توضح النتائج أن الدماغ لا يتأثر على المدى الطويل فقط، بل يمكن أن يظهر الخطر خلال ساعات قليلة من تناول وجبة واحدة غنية بالدهون المشبعة. فعند فقدان الأوعية الدموية لمرونتها، تصبح أقل قدرة على التكيف مع التغيرات المفاجئة في ضغط الدم. هذا الخلل قد يزيد من احتمالية التلف المجهري في أنسجة الدماغ، ما يمهد الطريق لمشكلات صحية أكثر خطورة مثل الجلطات الدماغية والخرف المبكر.
بدائل صحية لحماية الدماغ
وللحد من هذه المخاطر، ينصح الخبراء بضرورة إعادة النظر في نوعية الدهون التي نتناولها. فبدلًا من الدهون المشبعة الموجودة في الزبدة، السمن الصناعي، اللحوم الدسمة، والأطعمة السريعة، يمكن الاعتماد على الدهون غير المشبعة التي أثبتت الدراسات فوائدها الكبيرة لصحة القلب والدماغ.
تشمل هذه الدهون الصحية:
الأسماك الدهنية مثل السلمون والسردين، الغنية بأحماض أوميغا-3.
المكسرات مثل الجوز واللوز والكاجو.
البذور مثل بذور الكتان والشيا ودوار الشمس.
الزيوت النباتية مثل زيت الزيتون وزيت الكانولا.
هذه الخيارات لا توفر فقط طاقة صحية، بل تعمل أيضًا على تقليل الالتهابات، تحسين تدفق الدم، وتعزيز مرونة الأوعية الدموية، وهو ما يسهم في تقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة المرتبطة بالتغذية غير السليمة.
إن الرسالة التي تحملها هذه الدراسة واضحة: وجبة واحدة دسمة تكفي لإحداث خلل مؤقت في وظائف الدماغ والأوعية الدموية، فما بالك إذا كان هذا النمط الغذائي جزءًا من الروتين اليومي؟ لذا، فإن الوقاية تبدأ من المائدة، ومن الخيارات التي نقرر إدخالها إلى أجسامنا.
ومن هنا تأتي أهمية نشر الوعي الغذائي في المجتمعات، خصوصًا مع ارتفاع معدلات استهلاك الوجبات السريعة والدهون المشبعة، التي لم تعد تقتصر على فئة عمرية معينة، بل أصبحت عادة منتشرة بين الشباب والبالغين على حد سواء.