نهاية الإيجار القديم في مصر: قرار تاريخي وتأثيره على السوق العقاري بعد تنفيذ الحكم . في خطوة تعد من أكبر التحولات القانونية في سوق الإيجارات في مصر، جاء حكم المحكمة الإدارية العليا في 2023 الذي يضع نهاية رسمية لفترة طويلة من الإيجار القديم، ويثير تساؤلات حول مصير العقود القديمة بعد تاريخ تنفيذ القرار في 2024.
هذا القرار التاريخي، الذي طال انتظاره، يهدف إلى إعادة تنظيم سوق العقارات في مصر، ويترتب عليه تأثيرات اجتماعية واقتصادية واسعة النطاق. فما هي الدوافع وراء إلغاء الإيجار القديم؟ وكيف ستكون تداعياته على المستأجرين والمالكين؟ وكيف ستؤثر هذه التغيرات على السوق العقاري في مصر في السنوات القادمة؟
الإيجار القديم في مصر: تاريخ طويل من الجدل
يعود نظام الإيجار القديم إلى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما أقرَّت الدولة قوانين تؤدي إلى تثبيت أسعار الإيجارات لفترات طويلة، خاصة بالنسبة للأماكن السكنية. الهدف كان توفير السكن بأسعار معقولة للمواطنين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة بعد الحرب العالمية الثانية.
وعلى الرغم من تغيُّر الظروف الاقتصادية، ظل نظام الإيجار القديم قائمًا. هذه العقود تميزت بتحديد قيمة الإيجار الشهري بمبالغ زهيدة مقارنة بالأسعار الحالية، حيث أن المستأجرين ما زالوا يدفعون مبالغ لا تتجاوز جزءًا بسيطًا من القيمة السوقية للعقار.
بعد سنوات من المنازعات بين الملاك والمستأجرين، جاء الحكم التاريخي الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا في مصر، بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، لينهي حالة الشد والجذب وفي الوقت ذاته يثير العديد من التساؤلات.
كانت المحكمة الدستورية العليا في مصر، برئاسة المستشار بولس فهمي، قد أصدرت حكماً تاريخيًا بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتباراً من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
وصف اللواء دكتور رضا فرحات، محافظ الإسكندرية والقليوبية الأسبق وخبير الإدارة المحلية، الحكم الأخير بأنه تاريخي، مشيرًا إلى أنه ينهي علاقة كانت ضارة بين المالك والمستأجر.
وأكد فرحات في تصريحات حديثة أن القانون السابق كان يتضمن عوارًا دستوريًا، وأن الحكم الجديد أنصف شريحة كبيرة من المصريين. وأوضح أن مبادئ دستور 2014 تضمن حماية الحقوق والحريات المتعلقة بالتعاقدات، لكن المواد التي تنص على ثبات القيمة الإيجارية، مثل المادتين 1 و2، لم تعد مناسبة في ظل التغيرات الاقتصادية الحالية، كالتضخم وتراجع سعر الجنيه المصري.
لذلك، كان من الضروري تعديل هذه المواد لضمان حقوق الملاك وعدم استمرار الضرر في العلاقة الإيجارية وفي السياق، فقد طالب رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة في مصر، مصطفى عبدالرحمن، بأن يكون الحد الأدنى لإيجار الوحدة السكنية بنظام القانون القديم 2000 جنيه، على أن يخضع لزيادة سنوية. وطالب الحكومة المصرية بالتقدم بمشروع قانون يشمل الوحدات السكنية والتجارية أيضا.
فيما اقترح المستشار القانوني لرابطة المستأجرين، ميشيل حليم، أن يتم رفع القيمة الإيجارية للوحدة بمعدل 5 أضعاف مبدئيا مع إقرار زيادة سنوية بقيمة 15%؛ وهو ما رفضه ممثل المُلاك.
أما رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري، محمد عطية الفيومي، فقد أكد أن المجلس ينتظر حيثيات الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا. وأكد أن هناك 8 أشهر متبقية في هذا الفصل التشريعي، وفي حال لم يصدر مجلس النواب القانون خلال تلك الفترة يتم تنفيذ الحكم وتكون المحكمة هي صاحبة الحق في تحديد القيمة الإيجارية عند لجوء المالك لها.
أوضح أن الحكومة المصرية لم تقدم مشروع قانون بشأن الإيجار، وإنما يوجد مقترح قانون مقدم من بعض أعضاء البرلمان لم يُنظر فيه بعد، رغم وجود العديد من الدراسات حول هذا الموضوع. وأشار إلى أن هناك دراسات لتقييم الأثر التشريعي للقانون تشمل كيفية تنفيذه وتأثيره على الملاك والمستأجرين محدودي الدخل، الذين قد لا يستطيع بعضهم تحمل القيمة الحالية.
كما ذكر أن بعض المستفيدين من قانون الإيجار القديم سيكونون من الفئات الأولى للاستفادة من مبادرات “سكن لكل المصريين”. وأكد أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا أصبح ملزمًا للتنفيذ، وسيتم مراعاة مصلحة الطرفين، سواء المالك أو المستأجر، عند التعامل مع قانون الإيجار القديم.
من المتوقع أن يؤدي تطبيق هذا القرار إلى زيادة في أسعار الإيجارات، ما قد ينعكس سلبًا على قدرة الأسر على تحمل تكاليف السكن. في الوقت نفسه، قد يشهد السوق العقاري في مصر انتعاشًا في القطاع التجاري والسكني على المدى الطويل، خاصة في المناطق ذات الطلب المرتفع.
إن قرار إلغاء الإيجار القديم في مصر يمثل نقطة فارقة في تاريخ سوق العقارات، إذ يعكس تحولًا كبيرًا في علاقة الملاك والمستأجرين، وتحديات جديدة أمام المستأجرين الذين سيواجهون ارتفاعًا في تكاليف السكن.
ورغم التحديات التي قد تترتب على هذا القرار، فإنه قد يكون خطوة نحو تحقيق التوازن في سوق الإيجارات المصري، ودفع عجلة الاقتصاد نحو مزيد من التطور. مع تنفيذ القرار في 2024، سيكون من المهم مراقبة كيفية تطبيقه وتداعياته على المستأجرين والملاك على حد سواء، ومدى قدرة الدولة على تقديم حلول مرنة تضمن استقرار الجميع في هذا التحول التاريخي.