نقلة نوعية في الطب الحديث لعلاج الجلطات الدموية بدون مضاعفات . في تطور طبي يُعد نقلة نوعية في مجال علاج الجلطات الدموية، نجح فريق من المهندسين الأمريكيين في تقديم طريقة ميكانيكية مبتكرة لإزالة الجلطات من الجسم باستخدام جهاز فائق الدقة أطلق عليه اسم milli-spinner thrombectomy.
وقد نُشرت نتائج هذا الابتكار في مجلة Nature npj Viruses، مشيرة إلى أن الجهاز الجديد قادر على تدمير وإزالة الجلطات، حتى تلك الكبيرة والكثيفة منها، خلال ثوانٍ معدودة وبدون إلحاق ضرر بالأوعية الدموية.
تقوم فكرة الجهاز على مبدأ فيزيائي فريد يعتمد على الضغط والقص، حيث يُدخل الجهاز داخل الوعاء الدموي ثم يبدأ في الدوران بسرعة عالية.
مما يؤدي إلى جذب الجلطة باتجاهه وعصر خلايا الدم الحمراء منها، في حين يتم ضغط شبكة الفيبرين – وهي المكوّن البروتيني الأساسي للجلطة – لتصبح أكثر تماسكًا وأقل حجمًا بنسبة تصل إلى 95%.
وبعدها، يمكن بسهولة التخلص من البقايا باستخدام تقنيات الشفط التقليدية، ولكن بشكل أكثر أمانًا وكفاءة من الطرق المعروفة سابقًا.
ورغم أن الأساليب الحالية لإزالة الجلطات مثل الشفط أو استخدام الشبكات المعدنية أو التفتيت الميكانيكي قد أحرزت تقدمًا في السنوات الأخيرة، إلا أن فعاليتها لا تزال محدودة.
حيث تُسجل فشلاً في نحو 30% من الحالات، خاصة مع الجلطات المحتوية على نسب عالية من ألياف الفيرين. وتكمن خطورة هذه الطرق التقليدية في أنها قد تُفتت الجلطة بشكل غير منتظم، مما يؤدي إلى انتشار الشظايا داخل مجرى الدم والتسبب في انسدادات إضافية في أماكن أخرى من الجسم.
في المقابل، يتميز جهاز milli-spinner بأنه يتعامل مع الجلطة كما لو كانت “كتلة قطنية”؛ فيقوم بضغطها بلطف بدلاً من كسرها، وهو ما يحدّ من خطر انتقال أجزاء منها إلى مناطق أخرى حساسة، مثل شرايين الدماغ أو الرئة.
وقد أُجريت سلسلة من التجارب لتقييم كفاءة الجهاز، شملت اختبارات في بيئات مخبرية تحاكي الأوعية الدموية الحقيقية، وأيضًا تجارب على خنازير حية.
وأسفرت النتائج عن نجاح باهر: فقد استطاع الجهاز إزالة جلطات دموية يصل طولها إلى 17 ملم خلال فترة تتراوح بين 8 إلى 15 ثانية فقط، مع ضمان استعادة تدفق الدم الطبيعي في الوعاء من أول محاولة.
والأهم من ذلك، أنه لم يتم تسجيل أي حالات تمزق أو تلف في الأوعية الدموية، ولم تظهر أي انسدادات لاحقة، وهو ما يُعدّ إنجازًا في غاية الأهمية من الناحية الإكلينيكية.
هذا الاكتشاف يُبشّر باستخدامات واسعة في علاج العديد من الحالات الخطرة المرتبطة بالجلطات، مثل السكتات الدماغية، النوبات القلبية، الانسداد الرئوي، والتجلطات الوريدية العميقة.
فغالبًا ما تكون هذه الحالات مهددة للحياة وتتطلب تدخلًا فوريًا وسريعًا، وهو ما يوفره هذا الجهاز الجديد بفضل تصميمه فائق الدقة وكفاءته العالية.
كما أشار الفريق المطور للتقنية إلى مزايا إضافية لا تقل أهمية، منها سهولة الاستخدام، ومرونة الجهاز في التعامل مع أنواع متعددة من الأوعية الدموية، سواء الكبيرة أو الصغيرة، وهو ما يتيح استخدامه في مختلف أعضاء الجسم.
بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يقلل الجهاز بشكل كبير من معدلات حدوث المضاعفات بعد عمليات إزالة الجلطات، مثل النزيف الداخلي أو ارتداد الانسداد.
من الناحية التقنية، استُخدمت في تطوير هذا الابتكار تقنيات حديثة، منها تحليل الانقسام الاختزالي الآلي (AMM)، وهو أسلوب دقيق في البحث يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقييم الأداء وتحليل التفاعلات البيولوجية داخل الجسم أثناء العمليات.
وتمت الاستفادة من تكنولوجيا “كريسبر” (CRISPR) أيضًا لتعديل الجينات في نماذج التجارب الحيوية، مما ساعد في اختبار أداء الجهاز في بيئة أقرب ما تكون إلى الواقع الإكلينيكي.
ويأمل الباحثون أن يتم اعتماد هذا الجهاز سريريًا خلال السنوات القليلة القادمة، بعد استكمال التجارب السريرية على البشر، والحصول على التراخيص اللازمة من الجهات الطبية المختصة.
وفي حال نجاح التجارب على نطاق واسع، فإنه قد يُغير من شكل بروتوكولات العلاج التقليدية للجلطات، ويقلل بشكل كبير من الاعتماد على الأدوية المميعة للدم، التي تحمل بدورها مخاطر النزيف.
ومع تزايد أعداد المصابين بأمراض القلب والشرايين حول العالم، فإن الابتكارات الطبية في هذا المجال أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى. ويُعَدّ جهاز milli-spinner مثالاً حيًا على كيف يمكن للتكنولوجيا والعلوم الطبية أن تتكامل لتقديم حلول ثورية تنقذ الأرواح وتُحسن جودة الحياة للملايين.
كما يمكن القول إن هذه التقنية الجديدة لا تمثل فقط تقدمًا في علاج الجلطات الدموية، بل تشكّل أيضًا نموذجًا لما يمكن أن تساهم به الأبحاث متعددة التخصصات في تطوير أساليب أكثر أمانًا وفعالية في مواجهة أخطر التهديدات الصحية في العالم.