مناسك الحج بالترتيب تعرف على كل خطوة من الإحرام إلى الطواف . تعتبر مناسك الحج من أسمى وأعظم العبادات التي يؤديها المسلمون، فهي ركنٌ هام من أركان الإسلام الخمسة، التي فرضها الله سبحانه وتعالى على كل مسلم بالغ عاقل قادر، مرة واحدة في العمر على الأقل، وذلك تحقيقًا لقوله تعالى: «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً».
وليس الحج مجرد طواف حول الكعبة أو سعي بين الصفا والمروة فقط، بل هو منظومة متكاملة من الأفعال والخطوات المرتبة التي تعبر عن الطاعة والعبودية لله سبحانه وتعالى، وقد علمنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذه المناسك وأوضحها لنا بأدق التفاصيل.
أنواع النسك في الحج
عند بداية الإحرام، يختار الحاج نوع النسك الذي سينوي به أداء مناسك الحج، ويوجد ثلاثة أنواع رئيسية:
التمتع: يبدأ الحاج بأداء العمرة أولًا، ثم يحل نفسه منها ليؤدي مناسك الحج في وقت لاحق من نفس الموسم.
الإفراد: يختار الحاج أن يؤدي الحج فقط دون أداء العمرة في نفس الموسم.
القران: يجمع بين أداء الحج والعمرة معًا في نية واحدة دون التحلل بينهما.
المواقيت المكانية والزمانية
حدد النبي صلى الله عليه وسلم خمسة مواقيت مكانية يجب على الحاج أن يحرِم منها قبل الدخول إلى مكة، وهي نقاط على طرق القادمين إلى مكة، كذا ما يُعرف بـ «ذو الحليفة» للقادمين من المدينة، و«الجحفة» للقادمين من الشام، و«يلملم» للقادمين من اليمن، و«قرن المنازل» للقادمين من نجد، و«ذات عرق» للقادمين من العراق. أما المواقيت الزمنية فهي محددة بوقت الحج نفسه الذي يبدأ من شهر شوال ويستمر حتى يوم عرفة، وهو التاسع من ذي الحجة.
خطوات أداء الحج
تمر رحلة الحج بعدة مراحل وأركان مهمة يجب على الحاج اتباعها بدقة:
الإحرام: بداية النسك تبدأ مع نية الإحرام من الميقات المحدد، وارتداء ملابس الإحرام البيضاء البسيطة، مع رفع الصوت بالتلبية (لبيك اللهم لبيك…).
الذهاب إلى منى: في يوم الثامن من ذي الحجة، يتوجه الحجاج إلى منى لقضاء يوم التروية، حيث يبيت الحاج هناك استعدادًا للوقوف بعرفة.
الوقوف بعرفة: يعد هذا الركن الأعظم من مناسك الحج، حيث يقف الحجاج على صعيد عرفة من بعد زوال الشمس وحتى غروبها في اليوم التاسع من ذي الحجة.
المبيت بمزدلفة: بعد غروب شمس عرفة، ينطلق الحجاج إلى مزدلفة لقضاء الليل، حيث يجمعون الحصى اللازمة لرمي الجمرات.
يوم النحر: يبدأ في العاشر من ذي الحجة بأداء رمي جمرة العقبة الكبرى، ثم نحر الهدي بالنسبة للتمتع والقارن، يلي ذلك طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة.
أيام التشريق: تمتد من الحادي عشر حتى الثالث عشر من ذي الحجة، يقضي الحاج خلالها أيامه في منى، حيث يرمي الجمرات الثلاث كل يوم.
طواف الوداع: هو الطواف الأخير الذي يؤديه الحاج قبل مغادرته مكة، وهو واجب على الحاج عند جمهور العلماء.
واجبات الحج
هناك مجموعة من الأفعال التي تُعد من الواجبات التي يجب على الحاج الالتزام بها، ومن تركها يجب عليه دفع فدية، ومن أهمها:
التلبية المستمرة في بداية الإحرام.
المبيت في مزدلفة ومنى.
رمي الجمرات في أيامها المحددة.
أداء طواف الوداع.
محظورات الإحرام
تتضمن مناسك الحج عدة محظورات على الحاج أثناء إحرامه، وهي مبنية على قوله تعالى في سورة البقرة:
«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ …» [البقرة:197].
وتتضمن هذه المحظورات:
الرفث: أي النكاح أو أي فعل يؤدي إليه، فلا يجوز للحاج الجماع أو ما يحرض عليه أثناء الإحرام.
الفسوق: أي ارتكاب المعاصي كالغيبة، النميمة، أكل الربا، عقوق الوالدين، وقطع الرحم.
الجدال: المناظرة والمخاصمة بغير حق، فيجب على الحاج أن يتعامل بالحكمة والرفق دون خلاف.
إزالة الشعر أو تقليم الأظافر: لا يجوز للحاج إزالة الشعر أو تقليم أظافره أثناء الإحرام.
استخدام الطيب: لا يجوز للحاج أن يضع عطورًا أو يستعمل الطيب في جسمه أو ملابسه.
صيد البر: لا يجوز له الصيد أو قتل الحيوانات البرية أثناء الإحرام.
لبس المخيط للرجال وتغطية الوجه للنساء: يجب على الرجال أن يرتدوا ملابس الإحرام غير المخيطة، ولا يجوز للنساء تغطية وجوههن.
مناسك الحج رحلة روحية عظيمة تجمع بين العبادات المختلفة التي تقرب العبد من ربه، تبدأ بالإحرام والنوايا الصادقة، وتمتد إلى الوقوف بعرفة، ثم رمي الجمرات والطواف حول الكعبة، مع الالتزام بالواجبات والابتعاد عن المحظورات، وهي فرصة لتجديد الإيمان والاقتراب من الله في أيامٍ مباركة فرضها علينا ليزداد قربنا منه وبرحمةٍ وسلام داخلي.
فالحج ليس مجرد أداء أعمال شكلية، بل هو رحلة قلبية تنطوي على إخلاص وصدق وعبادة حقيقية لله تعالى.