مداهم ينضم للقائمة صناع محتوى خلف القضبان بسبب القيم الأسرية . شهدت الأيام الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في الحملات الأمنية التي تشنها أجهزة الدولة المعنية ضد عدد من صناع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك على خلفية ما يُوصف بـ”انتهاك القيم الأسرية والأخلاقية” و”نشر محتوى يتعارض مع القانون والآداب العامة”. وتأتي هذه الخطوة في إطار جهود وزارة الداخلية والنيابة العامة لمكافحة الجرائم الإلكترونية وضبط كل من يستغل السوشيال ميديا لبث مواد مرئية مخالفة.
القبض على “مداهم”: أحدث المتهمين بنشر محتوى غير لائق
كان البلوجر المعروف بلقب “مداهم” أحدث من طالتهم يد العدالة، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض عليه خلال الساعات الماضية، عقب اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة. جاء ذلك بعد بلاغات رسمية تلقتها النيابة العامة من عدد من المحامين، تتهمه بنشر مقاطع فيديو تحتوي على مشاهد وألفاظ خادشة للحياء العام، في انتهاك صارخ للقانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
وبحسب مصادر أمنية، فقد تم التحفظ على الهاتف المحمول الخاص بالمتهم، وعدد من الأجهزة الإلكترونية يُشتبه في استخدامها لإنتاج وترويج هذه المواد المصورة، تمهيدًا لفحصها فنيًا من قبل الجهات المختصة.
ليست حالة فردية.. سوزي الأردنية وأم مكة وأم سجدة ضمن القائمة
ولم تكن قضية “مداهم” سوى واحدة من عدة وقائع مشابهة تم التعامل معها قانونيًا خلال نفس الفترة، حيث تم القبض على البلوجر المعروفة باسم “سوزي الأردنية”، بناءً على قرار من النيابة العامة بعد مواجهتها باتهامات ببث محتوى مخالف وغير أخلاقي على مواقع التواصل، يفتقر للضوابط الأخلاقية والاجتماعية.
وفي تطور متصل، تحفظت الأجهزة الأمنية على البلوجر “أم مكة”، بعد أن نشبت مشاجرة بينها وبين شخص داخل إحدى القنوات الإعلامية بمدينة الإنتاج الإعلامي، الأمر الذي استدعى تدخل الشرطة وإخطار النيابة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
أما “أم سجدة”، فقد كانت محل تحرك أمني آخر، حيث تم ضبطها بعد نشرها مقاطع فيديو اعتُبرت “خادشة للحياء” وتضمنت إيحاءات وإساءة للقيم المجتمعية، إضافة إلى التشكيك في مصادر دخلها، الأمر الذي أثار موجة من التساؤلات والانتقادات بين المتابعين عبر الإنترنت.
البلوجر “مروة”: تشهير وادعاءات كاذبة في قضايا حساسة
وفي قضية أثارت جدلاً واسعًا، أُلقي القبض على البلوجر “مروة” بعد تقديم إحدى الفنانات بلاغًا ضدها، تتهمها فيه بالتشهير عبر مقاطع فيديو تتضمن اتهامات خطيرة. ومن بين ما ورد في تلك المقاطع، مزاعم حول تورط الفنانة في قضايا تتعلق بتجارة الأعضاء البشرية، وهو ما نفته الأخيرة تمامًا، مؤكدة أن الهدف من تلك الادعاءات هو الإساءة والتشهير.
تمكنت قوات الأمن من ضبط “مروة” في محافظة الإسكندرية، وبحوزتها هاتفان محمولان، أحدهما يحتوي على محفظة مالية إلكترونية بها تحويلات مالية من خارج البلاد. وبحسب التحقيقات الأولية، فقد أقرت المتهمة بأنها اختلقت تلك المزاعم لتحقيق انتشار واسع وزيادة عدد المشاهدات وبالتالي الأرباح من منصات التواصل.
واللافت أن “مروة” ليست جديدة على ساحات الجدل، إذ سبق لها وأن أثارت الرأي العام بادعاء صفة “ابنة رئيس مصري سابق”، إضافة إلى تورطها في قضايا تشهير بعدد من الشخصيات العامة.
الجهات الرسمية تحذر: لا تسامح مع المحتوى المخالف
في ظل هذه الحملة الواسعة، أكدت الجهات الأمنية والنيابة العامة أن القانون سيتم تطبيقه بكل حزم ضد كل من يثبت تورطه في بث محتوى يتعارض مع القيم الأخلاقية والأسرية، أو يسيء للآداب العامة. وأوضحت أن القانون رقم 175 لسنة 2018 يمنح الجهات المختصة الصلاحيات الكاملة في رصد وضبط الجرائم المعلوماتية التي تتم عبر الإنترنت، وخصوصًا المحتوى المرئي.
كما حذرت الدولة من خطورة المحتوى الذي يروج لسلوكيات غير أخلاقية أو ينتهك الخصوصية، خاصة في ظل التأثير الواسع لمنصات التواصل على فئات عمرية صغيرة مثل الأطفال والمراهقين.
تحليل الظاهرة: بين حرية التعبير وضوابط المجتمع
على الرغم من الجدل الدائر حول الحدود بين حرية التعبير ومخالفة القيم المجتمعية، يرى متخصصون في الإعلام أن هناك خطًا فاصلًا بين تقديم محتوى ترفيهي أو نقدي، وبين السقوط في فخ الإساءة أو الابتذال أو الإضرار بالمجتمع.
ويؤكد خبراء قانونيون أن حرية التعبير مكفولة بالدستور، لكنها لا تُستخدم كذريعة لبث محتوى مخالف، أو اختلاق وقائع تمس الآخرين دون أدلة أو سند قانوني، وهو ما يستوجب المساءلة.
في النهاية، تُعد هذه الحملات الأمنية رسالة واضحة لصناع المحتوى بأن منصات التواصل الاجتماعي ليست ساحة مفتوحة بلا قوانين، بل تحكمها ضوابط وتشريعات تضمن احترام القيم المجتمعية وحماية النشء من السلوكيات غير المقبولة.
وبات من الضروري أن يدرك صانعو المحتوى أن مسؤوليتهم لا تتوقف عند حصد المشاهدات أو تحقيق الأرباح، بل تمتد إلى تقديم نموذج إيجابي يواكب ثقافة المجتمع ويحترم قوانينه وأعرافه.