قلب صحي في 5 دقائق يوميًا.. تمارين لا تحتاج إلى أدوات . في وقت تتزايد فيه معدلات الجلوس وقلة الحركة بسبب نمط الحياة العصري، ظهرت دراسة علمية حديثة لتؤكد أن بضع دقائق فقط من النشاط اليومي قد تُحدث فارقًا كبيرًا في صحة القلب.
لم تعد اللياقة البدنية مرتبطة بساعات من التمارين المرهقة في الصالات الرياضية، بل يمكن لخمس دقائق فقط من النشاط البدني المنتظم أن تُعيد للجسم توازنه القلبي والنفسي على حد سواء.
التمارين القصيرة.. مفهوم جديد للصحة القلبية
أوضحت الدراسة، التي نُشرت مؤخرًا في المجلة الطبية البريطانية (BMJ)، أن ممارسة التمارين لمدة خمس دقائق فقط مرتين يوميًا، ثلاث مرات في الأسبوع، يمكن أن تُحسّن بشكل ملحوظ من اللياقة القلبية الوعائية (CRF) لدى الأشخاص غير النشطين.
هذا النوع من التمارين القصيرة لا يحتاج إلى أجهزة أو أدوات رياضية خاصة، بل يعتمد على حركات بسيطة يمكن ممارستها في أي مكان.
واعتمد الباحثون على تحليل بيانات 11 تجربة علمية شملت أكثر من 414 رجلًا وامرأة من مختلف الأعمار ومستويات اللياقة والوزن. وتوصلوا إلى أن هذه “التمارين القصيرة” أدت إلى تحسّن في كفاءة القلب والرئتين والأوعية الدموية المسؤولة عن توصيل الأكسجين إلى العضلات بنسبة تراوحت بين 4.6% و17%، وهو تحسّن يُعد ملحوظًا رغم قصر فترة التدريب.
كيف تساعد خمس دقائق على تحسين صحة القلب؟
يشير العلماء إلى أن هذه التمارين البسيطة تُنشّط الدورة الدموية بسرعة وتزيد من ضخ الأكسجين إلى العضلات، مما يُدرّب القلب على العمل بكفاءة أكبر.
ومع تكرار هذه الجلسات القصيرة يوميًا، يُصبح القلب أكثر قدرة على التعامل مع الضغوط والمجهود، ما ينعكس في النهاية على خفض ضغط الدم وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
كما بيّنت الدراسة أن أكبر استفادة سُجّلت لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و44 عامًا، بينما استفاد كبار السن أيضًا من التمارين الهادئة مثل رياضة “تاي تشي” وتمارين الساق الخفيفة، التي تساعد على تحسين التوازن وتدفق الدم دون إجهاد العضلات.
النساء في المقدمة
ومن اللافت في نتائج الدراسة أن النساء شكلن نحو 70% من المشاركين، وقد أظهرن تجاوبًا أكبر مع التمارين القصيرة مقارنة بالرجال. ويرى الخبراء أن ذلك قد يعود إلى ارتفاع مستوى الوعي الصحي لدى النساء، ورغبتهن في إيجاد بدائل عملية للتمارين الطويلة التي يصعب المواظبة عليها بسبب ضيق الوقت أو الالتزامات الأسرية.
أنشطة بسيطة.. نتائج مبهرة
شملت التمارين المستخدمة في الدراسة أنشطة يومية بسيطة مثل صعود السلالم بسرعة، والمشي بخطى سريعة، وتمارين الإطالة، وتمارين التنفس المنتظم.
ورغم بساطتها، إلا أن هذه الأنشطة أدت إلى زيادة واضحة في كفاءة الجهاز الدوري وتقليل مؤشرات التعب البدني، ما يؤكد أن الفائدة ليست في مدة التمرين بقدر ما هي في الانتظام على أدائه.
تجاوز العقبات التقليدية أمام ممارسة الرياضة
تقول الدراسة إن أحد أهم الأسباب التي تدفع الناس إلى تجنب ممارسة الرياضة هو ضيق الوقت أو ضعف الدافع الشخصي. لذا، فإن إدراج جلسات قصيرة من التمارين اليومية – لا تتعدى خمس دقائق – يُعد حلًا واقعيًا ومناسبًا لمعظم الناس. بل يمكن دمجها في الروتين اليومي بسهولة، مثل أداء التمارين أثناء فترات الاستراحة في العمل، أو قبل النوم، أو بعد الاستيقاظ مباشرة.
وأكد الباحثون في مقالهم أن الاستمرارية أهم من المدة، فحتى لو كانت التمارين قصيرة جدًا، فإن ممارستها بانتظام تُسهم في تحسين صحة القلب وتقوية العضلات التنفسية ورفع كفاءة الجهاز الوعائي.
مقارنة مع الدراسات السابقة
تتسق هذه النتائج مع دراسات سابقة أُجريت في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا والصين، والتي أكدت أن الأنشطة اليومية البسيطة مثل صعود السلالم أو حمل المشتريات يمكن أن تقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية بنسبة تصل إلى 50% لدى النساء. كما أشارت أبحاث أخرى إلى أن مجرد التحرك لبضع دقائق كل ساعة يقلل خطر الوفاة المبكرة المرتبطة بنمط الحياة الخامل.
ينصح الأطباء بدمج هذه التمارين القصيرة في الحياة اليومية على النحو التالي:
ابدأ بخمس دقائق صباحًا من المشي السريع أو التمدد العضلي.
كرر الجلسة في المساء لتنشيط الدورة الدموية قبل النوم.
استخدم السلالم بدلًا من المصعد كلما أمكن.
مارس تمارين التنفس العميق بين فترات العمل الطويلة.
خصص يومين أسبوعيًا لأنشطة أكثر حيوية مثل الجري الخفيف أو ركوب الدراجة.
ويرى الأطباء أن هذه الممارسات الصغيرة، إذا التزم بها الفرد لأسابيع قليلة فقط، يمكن أن تُحدث تغيرًا حقيقيًا في المؤشرات الحيوية للقلب مثل معدل النبض وضغط الدم ومستوى الأكسجين في الدم.
في ضوء هذه النتائج، يؤكد الخبراء أن القلب لا يحتاج إلى ساعات من الجهد ليبقى صحيًا، بل إلى لحظات من الحركة المنتظمة. فالتوازن بين الجلوس والنشاط، حتى لو كان بسيطًا، يُعد من أهم أسرار الحياة الطويلة الخالية من أمراض القلب.
ويختم الباحثون دراستهم بالتأكيد على أن مفهوم “التمارين القصيرة” يجب أن يكون جزءًا من سياسات الصحة العامة، بحيث تُشجَّع المؤسسات التعليمية والمهنية على دمج دقائق من النشاط في الجداول اليومية، لما لها من أثر كبير على صحة الأفراد والمجتمع ككل.
