قصة ليلة الاسراء والمعراج وكيفية الاستفادة منها | ليلة الاسراء والمعراج . إن رحلة الإسراء والمعراج لم تكن مجرد حادث عادي، بل كانت معجزة من معجزات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ورحلة لم يسبق لبشر أن قام بها، وقد أظهرت فضل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتكريم الله ـ عز وجل ـ له، وأن الإسلام دين الفطرة، وعظم وأهمية الصلاة في الإسلام، وأهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين .
رحلة الاسراء والمعراج :
حيث فقد النبي محمد أولى زوجاته خديجة بنت خويلد وعمه أبا طالب اللذَينِ كانا يؤانسانه ويؤازرانه، ضاقت الأرض بهِ نظراً لما لاقاه من تكذيب وردّ من قبل المشركين. وبعد وفاة عمهِ توفيت زوجته خديجة في نفس السنة، فسميت تلك السنة بعام الحزن. وفي سبيل الدعوة ذهب الرسول إلى الطائف وحيداً يدعوهم إلى الإسلام والتوحيد لكنهم طردوه وسلطوا عليه صبيانهم وغلمانهم يرمونه بالحجارة فآذوه كثيراً وهنا دعا النبي محمد دعاءه المشهور شاكياً إلى ربه: «اللهم إلى من تكلني…» .
فيرسل الله إليه جبريل عليه السلام مع ملك الجبال ويقول له جبريل لو شئت نطبق عليهم الجبال فيقول النبي محمد: «لا – لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحّد الله» فكرّمه الله بقدرة إلهية وآنسه بحادثة الإسراء والمعراج، فأي تكريم ومؤانسة أشد وأعظم من تكريم كهذا إذ أتى جبريل عليه السلام ليصحب الرسول عليه الصلاة والسلام في رحلة الإسراء والمعراج.
فبينما كان النبي محمد نائمآ في الحجر أتاه جبريل عليه السّلام، فهمزه بقدمه، فجلس النبي محمد فلم يرَ شيئا، ثمّ عاد إلى مضجعه، فأتاهُ مرّةً ثانية فهمزه بقدمه، فجلس ولم يرَ شيئا، ثمّ عاد مرّة أخرى إلى مضجعه، فأتاهُ مرّةً ثالثة فهمزه بقدمه، فجلس النبي، وأخذ جبريل بعضده، وحينها قام النبي معه، وخرج به جبريل إلى باب المسجد، فإذا بالنبي يرى دابّةً بيضاء بين البغل والحمار، في فخذيها جناحان تحفّز بهما رجليه.
ثمّ وضع جبريل يده في منتهى طرف الرّسول فحمله عليه، وخرج الرسول بصحبة جبريل عليه السّلام حتّى انتهى به المطاف إلى بيت المقدس، فوجد فيه الأنبياء إبراهيم وموسى وعيسى في نفرٍ من الأنبياء، فأمّهم النبي محمد في صلاته، ثمّ أُتاه جبريل بوعائين، في أحدهما خمر، وفي الآخر لبن. قال: خذ. فأخذ النبي محمد إناء اللبن وشرب منه، وترك إناء الخمر. فقال لهُ جبريل: هديتَ للفطرة، وهديت أمّتك يا محمّد، وحرّمت عليكم الخمر. ثمّ عاد الرسول إلى مكّة.
ايضا في صباح اليوم التّالي اجتمع الرّسول الكريم في قبيلة قريش وأخبرهم بما حصل معه، فقال أكثر النّاس: والله هذا الأمر لبيّن، وإنّ الرّسول لصادق ٌ آمين، وإنّ العير لتطرد شهرًا من مكّة إلى الشام مدبرة، وشهراً مقبلة.
وقال بعضهم: إنّ هذا القول لا يصدّق أفيذهب محمّدٌ ويرجع إلى مكّة في ليلة واحدة؟! فارتدّ كثيرٌ ممّن كان قد أسلم، وذهب النّاس إلى أبي بكر، فقالوا له: يا أبا بكر إنّ صاحبك محمّد يزعم أنّه قد جاء من بيت المقدس وصلّى فيه ورجع إلى مكّة، فقال لهم أبو بكر: إنّكم تكذبون على رسول الله، فقالوا: بلى، ها هو الرّسول في المسجد يحدّث الناس بما حدث معه.
فقال أبو بكر: والله لئن كان قال هذا الكلام لقد صدق، فما العجب من ذلك! فوالله إنّه ليخبرني أنّ الخبر يأتيه من الله من السّماء إلى الأرض في ساعةٍ من ليلٍ أو نهار فأصدّقه، فهذا أبعد ممّا تعجبون منه.
أقبل أبو بكر إلى النبي محمد، فقال: يا رسول الله، أحدّثت القوم أنّك كنت في بيت المقدس هذه الليلة؟ قال الرّسول: نعم، قال: يا رسول الله، صف لي ذلك المسجد، وأخذ الرّسول يصف ويحدّث أبا بكر عن بيت المقدس، فقال له أبو بكر: أشهد أنّك رسول الله، وكان يكرّرها كلّما وصف له شيئاً رآه.
كما قال ابن القيم: أسرى برسول الله ﷺ بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبًا على البُرَاق، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إمامًا، وربط البراق بحلقة باب المسجد.
ايضا يقول الله سبحانه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١﴾ [الإسراء:1]. «سبحان»، أي: تنزه الله في قولـه عن كل قول، وتنزه الله في فعله عن كل فعل، وتنزه الله في صفاته عن كل صفات. «الذي أسرى»، أي: الذي أكرم رسوله بالمسير والانتقال ليلا. «بعبده» أي: بمخلوقه الإنسان الذي اختاره لهذه المهمة العظمى.
وهي مهمة هداية البشر جميعا. ولم يقل الله سبحانه: «بخليله» أو «بحبيبه» أو «بنبيه»، وإنما قال: «بعبده»، وفي هذا ملحظ هام هو أن الرسول ﷺ حقق مقام العبودية الخالصة لله سبحانه، فكان حقا «العبد الكامل» أو «الإنسان الكامل»؛ ولأن المطلب الأول للإسلام هو تحقيق العبودية الخالصة لله سبحانه. «ليلا» وفي هذا دلالة على أن الإسراء كان في جزء من الليل ولم يستغـرق الليل كله.
وكان الليل هو وقت الرحلتين؛ لأنه أحب أوقات الخلوة، وكان وقت الصلاة المفضل لدى رسول الله ﷺ، بل كان هو وقت الصلاة قبل أن تفرض الصلاة بالهيئة والأوقات المعروفة عليها، وكان الإسراء ليلا ليكون أيضا أبلغ للمؤمن في الإيمان بالغيب.
أما قوله تعالى: «من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى» فتفسيره: أن انتقال الرسول في رحلته الأرضية كان بين مسجدين، أولهما: المسجد الحرام بمكة في أرض الجزيرة العربية، وهو أحب بيوت الله في الأرض، والصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد، وثانيهما: هو المسجد الأقصى بأرض فلسطين، مهد الأنبياء والرسل.
وقد كان القبلة الأولى للمسلمين قبل أن يأتيهم الأمر بالتحول شطر المسجد الحرام الذي هو قبلتهم منذ ذلك الوقت إلى آخر الزمـان… والمسجد الأقصى من أفضل مساجد الأرض جميعا، والصلاة فيه تعدل خمسمـائة صلاة في غيره من المساجد. «الذي باركنا حوله» أي: الذي أفضنا عليه وعلى ما حوله بالبركات، دنيوية ومعنوية. «لنريه من آياتنا» أي: بعض الآيات الدالة على قدرة الله وعظمته، وليس كل الآيات