قبة حليم باشا تتلاشى تفاصيل هدم معلم تاريخي في مصر . في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، تم هدم قبة حليم باشا، واحدة من المعالم التاريخية البارزة في مصر. تعتبر هذه القبة رمزًا للعمارة الإسلامية التقليدية وواحدة من الشواهد على تاريخ البلاد العريق. في هذه المقالة، نستعرض تفاصيل هذا القرار، الأسباب وراءه، وتأثيره على التراث الثقافي المصري.
تفاصيل الهدم
قبة حليم باشا، التي شُيدت في القرن التاسع عشر، كانت تحظى بأهمية تاريخية ومعمارية كبيرة وكانت مكانًا يجذب الزوار والباحثين في مجال التاريخ والعمارة. ومع ذلك، فقد تم الإعلان عن هدمها كجزء من مشروع تطوير حضري في المنطقة. وقد شهدت العملية جدلًا بين مؤيدي التحديث وخصوم الحفاظ على التراث.
تتوالى الأحداث المؤسفة في القاهرة التاريخية مع هدم «قبة حليم»، التي تُعد واحدة من أربعة قباب تحمل علامة إزالة وتقع على بُعد خطوات من مسجد الإمام الشافعي. وذلك في إطار مشروع تطوير محور صلاح سالم، الذي يمتد من محور جيهان السادات حتى حديقة الفسطاط، بطول 6 كم.
جاء هدم قبة «نام شاذ قادين» والد محمد عبدالحليم ومستولدة محمد علي باشا، في ظل التحديات التي تواجه المقابر التاريخية في القاهرة في الوقت الراهن، حيث يتداخل المشروع مع مناطق دفن تاريخية شهيرة، مثل جبانات المجاورين وباب الوزير وسيدي جلال والسيدة نفيسة والطحاوية والإمام الشافعي وسيدي عمر.
وفقا لشاهد عيان تواجد خلال عملية هدم القبة التاريخية ووثق الوضع قال: “كنا هنا أثناء هدم قبة عبدالحليم، وهي إحدى قباب أسرة محمد علي. القبة تضم ثلاثة تراكيب، منها تركيب خاص بحفيد محمد علي، النبيل عباس حليم، وآخر للبرنسيسة كريمة، ومدفن لزوجة محمد علي باشا”.
وأشار إلى أن القبة كانت تستخدم كمدرسة بعد عام 1952، حيث كانت تعرف باسم مدرسة الإمامين. وأضاف: “حتى قبل هدمها، كانت لا تزال تستخدم كمدرسة، لكنهم نقلوا الرفات قبل أقل من أسبوع، وكان آخر تركيب تمت إزالته قبل الهدم بيوم”.
وأضاف شاهد العيان – رفض ذكر اسمه-: “تفاجأنا بأن القبة هدمت اليوم بسرعة، خاصة أنها كانت رائعة في تصميمها ونقوشها الكتابية. لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا لهدمها بسبب صلابة البناء. كنا نأمل أن يتم فكها ونقلها بدلاً من هدمها”.
كما ذكر أن القبتين المجاورتين، وهما مدفن الفلكي، لا تزالان في مكانهما، حيث تم نقل الرفات والتركيبات لمحمود الفلكي، لكن المسجد لم يُهدم بعد. أما قبة جلزار، فلم يتم نقل تراكيبها بعد.
موضحا أن حوش الدرملي وحوض راتب قد أُزيلت، كما أُزيلت مدرسة رابعة العدوية، التي كانت تعتبر استراحة ليوسف كمال. ويقول لـ«باب مصر»: “إنها لحظات حزينة لمشاهدة تراثنا يتلاشى”.
رغم أهمية القبة، لم تسَجل كأثر، في حين أن قانون الآثار لعام 1983 ينص على أن كل ما تخطى عمره المائة عاما يعامل معاملة الأثر، وهل عدم التسجيل يعطي الحق بالهدم؟
يجيب د.محمد أبوالعمايم، استشاري ترميم الآثار الإسلامية، ويقول لـ«باب مصر»: “منذ عام 1952، لا يوجد تسجيل لآثار جديدة، فقط في عهد الوزير فاروق حسني تم تسجيل بعض المباني لأهداف خاصة، ولكن يبدو أن هناك تعليمات أو جهلا من مسؤولي الآثار لانعدام تسجيل الآثار”.
ويتابع: “خلال الـ70 عاما الماضية، حدث انهيار في قطاع الآثار، وخصوصا الإسلامية، وقد ذكر ذلك الدكتور فريد شافعي في مقدمة كتابه “العمارة العربية في مصر الإسلامية”، وأخيرا.
فإن أسامة طلعت، رئيس قطاع الآثار الإسلامية قد أعطى الضوء الأخضر لهدم كل القرافة قبل 3 أعوام، حيث ذكر الآثار المسجلة فقط التي تعنيه، وإن كانت في الواقع مهملة إهمالا ذريعا وبعضها تهدم وبعضها سرقت أجزاؤه”.
قباب تحت خطر الهدم قريبا
كانت قبة حليم، والمعروفة أيضا بقبة حرم محمد علي باشا، واحدة من القباب التاريخية التي تحمل علامة إزالة في منطقة مدافن الإمام الشافعي، مما يثير قلقًا عميقًا بشأن مصير التراث المعماري والثقافي في القاهرة التاريخية. ومع هدم هذه القبة، يبدو أن سلسلة من القباب الأثرية في المنطقة أصبحت عرضة للتدمير.
بجانب قبة حليم، هناك عدة قباب أخرى تحتاج للحماية، ومنها، قبة جلزار التي تعد واحدة من أقدم القباب بالمنطقة، وقبتي الدرملي، وقبة الفلكي.
تعدي واضح على التراث المعماري
أثار الهدم غضب المعماريين ومحبي التاريخ والتراث المصري. وتساءلت د. سهير حواس أستاذة العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة، عن المتسبب في الهدم، مطالبة بفتح تحقيق لمعرفة المسؤول.
وإصدار بيان رسمي لتفسير ما حدث. وتقول : “مطلوب مسؤول يجيب ويفسر عما حدث”. وتشرح حواس إن كان هدم القبة سيؤثر على موقف تسجيل القاهرة التاريخية باليونسكو؟ وتوضح: “الهدم الجائر في منطقة مسجلة يهدد بإخراجها من التسجيل العالمي وأيضا محليا، لأن أسباب التميز تصبح غير متوفرة”.
وتستكمل حواس: “هذا بالطبع له أيضا تأثير سلبي على سمعة بلد تهد تراثها بنفسها وبدون أسباب مقنعة، وهذا يعتبر انعكاسا لغياب الوعي وإدراك القيم التراثية وقرارات غير رشيدة”.
وتوضح: “تكون غير مسجلة كأثار، ولكن فيه تسجيل بأنها تراث طبقا لقانون 144 لسنة 2006، ولكن حدث إخراج لعدد من الجبانات من التسجيل. لا أدري إن كانت هذه منهم، ولكن الهدم في كل الاحوال لابد أن يسبقه ترخيص مبني على مبررات. الموضوع غريب ومريب ومزعج، ولابد من وجود تصريح رسمي من مسؤل يشرح ويرد”.
كما أصدرت جمعية المعماريين المصريين بيانًا عاجلًا تعبر فيه عن استيائها وقلقها الشديد من التعديات. التي تتعرض لها قرافة الإمام الشافعي والمقابر الأثرية المرتبطة بها. إذ تعتبر هذه المواقع أكثر من مجرد مقابر؛ فهي تجسد تاريخًا معماريًا وحضاريًا يمتد لقرون. وتشكل جزءًا لا يتجزأ من هوية القاهرة القديمة.
وفي بيانها، أشارت الجمعية إلى أن هدم هذه المواقع يمثل انتهاكًا صارخًا للقوانين المصرية والدولية التي تحمي التراث المعماري والثقافي. وقد ذكرت الجمعية عدة قوانين مهمة، منها:
1- القانون المصري رقم 117 لسنة 1983: يحدد هذا القانون كيفية التعامل مع المواقع الأثرية ويمنع أي هدم أو تعديل للمباني المسجلة كآثار تاريخية. ويلزم الحكومة بحماية هذه المواقع للأجيال القادمة.
2- اتفاقية اليونسكو لعام 1972: تلتزم مصر كدولة موقعة على هذه الاتفاقية بالحفاظ على مواقع التراث ذات القيمة العالمية، ومنع أي تهديد أو تدمير لها.
3- القانون المصري رقم 144 لسنة 2006: يهدف هذا القانون إلى حماية المباني ذات الطراز المعماري المميز. ويمنع أي تعديل أو هدم إلا بإجراءات قانونية محددة.
وفي ختام البيان، طالبت الجمعية الجهات المعنية بوقف فوري لأي أعمال هدم أو تخريب لقرافة الإمام الشافعي والمواقع الأثرية المرتبطة بها. كما دعت إلى اتخاذ خطوات سريعة لحمايتها. مع ضرورة إشراك الخبراء والمعماريين لضمان الحفاظ على هوية هذه المواقع التاريخية بشكل مستدام.
تعد قبة عبدالحليم باشا، التي بناها محمد علي باشا، من أبرز معالم مقابر الإمام الشافعي. إذ تضم رفات العديد من أفراد الأسرة العلوية، مثل الأمير محمد علي حليم، النبيل عباس إبراهيم حليم، بالإضافة إلى عدد من الأميرات من الأسرة المالكة.
ما يميز هذه القبة هو جمال تفاصيلها وعناية تنفيذها، إذ تمثل محاولة رائعة لإحياء الأسلوب المملوكي في العصر الحديث. كما تحتوي على نقوش فريدة تحمل توقيع أحد أشهر الخطاطين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
قبل الهدم، تم فك التركيبة الخاصة بالبرنسيسة كريمة، حفيدة محمد علي باشا، ونقل رفاتها. وذلك في إطار الاستعداد لهدم قبتها التي كانت تحتضن ذكراها. وكريمة، ابنة الأمير محمد عبدالحليم باشا، نجل محمد علي باشا الكبير. وُلدت في إسطنبول في 13 أكتوبر 1871 وتوفيت في القاهرة في 7 مايو 1897.
تزوجت كريمة في عام 1895 من محمد علي جلال، وأنجبت منه عباس جلال الذي وُلِد في إبريل 1897. لم تعش كريمة طويلاً بعد ولادة ابنها، حيث توفيت في نفس السنة.
وتزوج ابنها عباس جلال لاحقًا من ابنة خاله، النبيلة توفيقة حليم، وهي ابنة الأمير عباس حليم، من زوجته الأميرة خديجة هانم، كريمة الخديوي توفيق باشا. وتوفي عباس جلال في 11 سبتمبر 1919.
يمثل هدم قبة حليم باشا نقطة تحول في مسار الحفاظ على التراث الثقافي في مصر. في الوقت الذي نحتاج فيه إلى تطوير مناطقنا، يجب أن نكون حذرين في كيفية التعامل مع تاريخنا. إن الحفاظ على المعالم التاريخية ليس مجرد مسؤولية، بل هو واجب تجاه الأجيال القادمة، لضمان استمرارية الذاكرة الثقافية.