عميد أسرى جنين يخرج من سجون الاحتلال بعد 38 عامًا (صور) . بعد 38 عامًا من الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تم الإفراج عن عميد أسرى جنين، رائد السعدي، البالغ من العمر 57 عامًا، ليعود إلى بلدة السيلة الحارثية شمالي الضفة الغربية التي وُلد فيها.
ويُعد السعدي من الأسرى القدامى الذين اعتقلوا قبل توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993، وهو يُعتبر واحدًا من أقدم الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. هذا الإفراج جاء بعد سنوات طويلة من المعاناة خلف القضبان، حيث بدأ السعدي مسيرته النضالية في مرحلة مبكرة من حياته، إذ اعتقل في عام 1989 بتهمة مشاركته في أنشطة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ليكون أحد الرموز البارزة في معركة الأسر الفلسطيني.
البداية النضالية والتضحيات
بدأت رحلة السعدي النضالية في سن مبكرة، حيث اعتُقل لأول مرة في سن السابعة عشرة بسبب رفعه علم فلسطين على أعمدة الكهرباء في بلدته السيلة الحارثية، ما كان يعتبر تحديًا واضحًا للاحتلال في تلك الفترة. لكن تلك الحادثة لم تكن سوى بداية لمشوار طويل من النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، الذي بدأ يترك بصماته على حياته منذ تلك اللحظة.
في عام 1985، شهد السعدي تحولًا في مسيرته النضالية بعد لقائه في العاصمة الأردنية عمّان مع القيادي في حركة “فتح” أبو علي شاهين، الذي قام بتدريبه على استخدام السلاح وتصنيع العبوات الناسفة. من تلك اللحظة، دخل السعدي في العمل النضالي المنظم ليصبح أحد الأعضاء البارزين في حركة “فتح” ويواصل مقاومته للاحتلال عبر أنشطة متنوعة، عرفت بأنها تضمنت العديد من العمليات العسكرية ضد أهداف إسرائيلية.
التضحيات في السجون
طوال فترة اعتقاله، خاض السعدي تحديات كبيرة داخل السجون الإسرائيلية، حيث واجه صعوبات جسدية ونفسية بسبب الظروف القاسية التي تعرض لها. وعلى الرغم من محاولات الاحتلال محاولة كسر إرادته، إلا أن السعدي ظل صامدًا طوال هذه السنوات، وكان يمثل رمزًا من رموز المقاومة الفلسطينية داخل السجون.
في رسالة سابقة له وهو في عامه الـ 35 داخل السجون، عبر السعدي عن مشاعر الحنين العميق لأسرته، حيث قال: “أشتاق لأبي ولرؤية بريق عينيه الذي اختطف منها نظره وهو يبكي حزنا وكمدا، أشتاق لتربة أمي، أن أقف على قبرها معتذرا على عمر أمضته جالسة على عتبة الدار، ومع كل حركة تنادي باسمي على أمل أن أكون أنا، أشتاق لإخوتي وأخواتي ولأبنائهم الذين لا أعرف عنهم سوى الاسم والصورة”.
هذه الكلمات تعكس الألم النفسي الذي عاشه السعدي طوال سنوات الأسر، وكيف كانت حياته تتشكل بين الذكريات والآلام التي لا تنتهي. ورغم ذلك، ظل السعدي متمسكًا بأمل العودة إلى أسرته وأرضه، ليظل صامدًا في وجه محاولات الاحتلال لطمس هويته الوطنية.
الأسرى القدامى: رموز المقاومة
يعد رائد السعدي من أبرز الأسرى الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم قبل توقيع اتفاقية أوسلو، وهم مجموعة من الأسرى الذين تم اعتقالهم قبل العام 1993 وكانوا يشكلون جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وقد بلغ عدد الأسرى القدامى الذين لا يزالون في السجون الإسرائيلية حتى يومنا هذا 21 أسيرًا، منهم رائد السعدي، بالإضافة إلى 11 أسيرًا آخرين تم إعادة اعتقالهم بعد أن أُفرج عنهم في صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011. هؤلاء الأسرى لا يزالون يمثلون رمزًا للثبات والصمود في مواجهة سياسات الاحتلال.
في السياق نفسه، يعد الشهيد الأسير وليد دقة من أبرز هذه الأسماء، الذي ارتقى أثناء فترة الأسر، وهو الذي اعتُقل في نفس الفترة الزمنية، وقد تركت وفاته أثراً بالغاً في نفوس الفلسطينيين وأسرهم. هذه القصص تروي ما عايشه الأسرى من آلام وصعوبات، لكنها أيضًا تبرز مقاومتهم وصمودهم في مواجهة القهر الإسرائيلي.
الإفراج عن السعدي: لحظة تاريخية
تم الإفراج عن رائد السعدي في لحظة تاريخية تحمل في طياتها العديد من المشاعر المتناقضة بين الفرح والحزن. فعلى الرغم من الفرح الكبير الذي عم بين عائلة السعدي وأبناء بلدة السيلة الحارثية، إلا أن حقيقة المعاناة التي عاشها السعدي طوال تلك الأعوام تبقى حاضرة.
ففي الوقت الذي يترقب فيه الشعب الفلسطيني كل يوم خبرًا عن الإفراج عن الأسرى، يبقى الأمل في العودة إلى الوطن والاستمرار في النضال من أجل حرية فلسطين هو الدافع الذي يظل يلهب حماسة هؤلاء الأبطال.
إن الإفراج عن السعدي يمثل خطوة مهمة على صعيد قضية الأسرى الفلسطينيين، لكنه لا يمثل نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة من النضال. فبينما يخرج السعدي إلى الحرية، يبقى المئات من الأسرى في سجون الاحتلال يعانون من الظلم والقمع، ولا تزال معركة تحريرهم مستمرة.
هذه اللحظة التاريخية تذكر العالم بحقيقة القضية الفلسطينية وأن قضية الأسرى هي قضية إنسانية بالدرجة الأولى، تحتاج إلى مزيد من التضامن والضغط الدولي لتحقق العدالة وتطلق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين.
يبقى رائد السعدي مثالًا حياً على الصمود والتحدي، ليس فقط للأسرى الفلسطينيين بل لكل من يعاني تحت وطأة الاحتلال. إن الإفراج عنه بعد 38 عامًا من الأسر يعكس إصرار الفلسطينيين على تحرير أراضيهم ومقاومة كل محاولات الاحتلال لفرض سياسة الأمر الواقع. وعلى الرغم من صعوبة التحديات التي واجهها السعدي طوال سنواته في السجون، إلا أنه يبقى رمزًا للثبات والعزيمة في مواجهة الاحتلال، مؤكدًا أن الحرية قادمة مهما طال الزمن.