عقوبة المساس بالقيم الأسرية إلكترونيًا.. تفاصيل بعد تجاوزات بعض صناع المحتوى . في ضوء ما تشهده منصات التواصل الاجتماعي من تجاوزات وانتهاكات متكررة تهدد منظومة القيم الأسرية في مصر، شدد الدكتور مصطفى السعداوي، أستاذ القانون الجنائي، على أن الدولة المصرية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الظاهرة التي وصفها بـ”الموجة الشرسة”، والتي تستهدف ضرب استقرار المجتمع والأسرة المصرية، مستغلة الانتشار الواسع للمنصات الرقمية.وأكد السعداوي، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج “مساء جديد” المذاع على قناة “المحور”، أن الدستور المصري وضع الأسرة في صميم بنيان الدولة، باعتبارها اللبنة الأولى في بناء المجتمع، مشيرًا إلى أن الحفاظ على تماسكها من مسؤوليات الدولة وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية.
الدستور يحمي الأسرة.. والقانون لا يتسامح مع المروجين للفوضى الأخلاقية
وأوضح أستاذ القانون الجنائي أن الدستور المصري ينص بوضوح على أن الأسرة هي أساس المجتمع، وأن الدولة ملزمة بالحفاظ على تماسكها واستقرارها الأخلاقي والاجتماعي، الأمر الذي يضع الأساس الدستوري لمواجهة كل ما من شأنه المساس بقيمها أو الإخلال بأدوارها التربوية والاجتماعية.
وأضاف أن الدولة منذ عام 2014، في إطار ما يُعرف بـ”نهضة تشريعية”، قامت بتطوير العديد من القوانين التي تتصدى لمظاهر الفوضى الرقمية، وعلى رأسها تلك التي تمس القيم الدينية، الثقافية، والأخلاقية، مؤكدًا أن القوانين الحالية ليست عاجزة عن ردع التجاوزات، بل تحتاج فقط إلى تطبيق حازم وتوعية مجتمعية مستمرة.
قانون مكافحة جرائم الإنترنت.. سلاح قانوني لحماية القيم
وأشار الدكتور السعداوي إلى أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 يمثل أحد أهم الأسلحة القانونية لمواجهة المحتوى الضار والهدام المنتشر عبر الإنترنت، موضحًا أن القانون لم يترك ثغرة إلا وتمت معالجتها بنصوص واضحة، تغطي الجرائم المتعلقة بإنشاء أو إدارة أو استخدام مواقع أو حسابات إلكترونية تنشر محتوى مسيئًا لقيم ومبادئ الأسرة المصرية.
وينص القانون على عقوبات تصل إلى الحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات، وغرامات مالية تتراوح بين 100 إلى 300 ألف جنيه، ضد من يثبت تورطه في استخدام الإنترنت لنشر محتوى يخالف الآداب العامة أو يخل بالقيم المجتمعية. كما تصل العقوبات إلى السجن المؤبد في حالات مثل الابتزاز الإلكتروني أو التهديد بنشر صور أو مقاطع فاضحة، وهي جرائم أصبحت شائعة عبر التطبيقات والمنصات المختلفة.
الدولة تحارب المحتوى الهدام.. والإبلاغ مسؤولية وطنية
وفي حديثه، شدد السعداوي على أن “مصر دولة قانون”، وأن القضاء المصري يمتاز بالنزاهة والاستقلال، ولا يصدر أحكامه إلا بناءً على أدلة دامغة ووفقًا للقواعد القانونية المستقرة، ما يعكس احترام الدولة للمبادئ الدستورية وحقوق الأفراد.
ودعا المواطنين إلى ضرورة الإبلاغ عن أي محتوى مسيء أو مخالف عبر المنصات الرسمية مثل موقع وزارة الداخلية أو وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية، مؤكدًا أن الإبلاغ لا يعد فقط حقًا قانونيًا، بل واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا، يساهم في حماية المجتمع من الانزلاق نحو فوضى إعلامية أو انحلال سلوكي، خاصة بين فئات الشباب والمراهقين.
التيك توك وصناع المحتوى.. بين الشهرة السريعة والانحراف المجتمعي
تأتي تصريحات الدكتور السعداوي في توقيت حساس، بعد سلسلة من الوقائع المثيرة للجدل التي ارتبطت ببعض صناع المحتوى على منصات مثل “تيك توك” و”إنستغرام”، حيث لجأ عدد من المستخدمين إلى نشر محتوى مبتذل أو مسيء للقيم الأخلاقية بهدف جذب المتابعين وتحقيق الأرباح، دون الالتفات لتأثير هذه المواد على المجتمع والأسرة، وخصوصًا على المراهقين والأطفال الذين باتوا يقضون ساعات طويلة أمام هذه المنصات.
وقد شهدت الأيام الأخيرة عدة قرارات بالحبس والحجز على ذمة التحقيقات لمجموعة من “التيك توكرز”، وذلك بتهم تتعلق بـ”نشر محتوى غير أخلاقي” أو “التحريض على الفسق” و”الإخلال بقيم الأسرة المصرية”، وهي تهم نص عليها القانون المصري بوضوح.
بناء الإنسان أولًا.. مواجهة رقمية من أجل مجتمع متماسك
اختتم الدكتور مصطفى السعداوي حديثه بتأكيده أن بناء الإنسان المصري هو الهدف الأسمى للجمهورية الجديدة، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف دون تطهير الفضاء الرقمي من المحتوى الهدام والمنحرف، مشيرًا إلى أن ما تبنيه الدولة من مدن ذكية وبنية تحتية ضخمة يجب أن يقابله بناء قيمي وثقافي وأخلاقي للمواطن.
وأضاف أن القوانين ليست كافية بمفردها، بل يجب أن يُصاحبها دور تربوي وإعلامي وثقافي يعيد تعريف معنى “الشهرة”، ويُعزز من فكرة القدوة الحقيقية بين صفوف الشباب، بعيدًا عن “الترندات” التي تحفز على السلوكيات السلبية من أجل تحقيق المشاهدات.
توصيات من أجل مواجهة فعالة
وفي نهاية المقال، يمكن تلخيص عدد من التوصيات التي طرحها أو ألمح إليها الدكتور مصطفى السعداوي:
تفعيل وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية بشكل أكثر ديناميكية، مع تسريع إجراءات التقاضي في هذه القضايا.
توعية أسرية ومجتمعية بأهمية مراقبة المحتوى الرقمي الذي يتابعه الأبناء.
إعادة النظر في برامج التعليم والإعلام لتعزيز الوعي الرقمي والأخلاقي.
دعم المبدعين الجادين الذين يقدمون محتوى هادفًا، لتكون لهم اليد العليا في الساحة الرقمية.
تشجيع ثقافة الإبلاغ دون خوف أو تردد، فالجميع شركاء في حماية المجتمع من الانحدار الأخلاقي.
إن التحرك القانوني ضد المسيئين لقيم الأسرة عبر الإنترنت ليس مجرد رد فعل لحالات فردية، بل هو خطوة استراتيجية لحماية هوية المجتمع وتحصينه من الانحلال الرقمي، وهو ما يحتاج إلى تعاون مؤسسي وشعبي من أجل بناء جيل يحترم القيم، ويستخدم التكنولوجيا في طريق الارتقاء لا الهدم.