صيام العشر من ذي الحجة والأكل أو الشرب ناسيًا.. موقف الإفتاء الشرعي . يعتبر صيام العشر الأوائل من ذي الحجة من السنن المستحبة التي يحرص عليها المسلمون بشدة لما لها من فضل عظيم وأجر كبير عند الله تعالى.
تتزامن هذه الأيام المباركة مع موسم الحج وأعمال البر والطاعات التي تضاعف الأجر، ولهذا يحرص الكثير من المسلمين على اغتنام فرصة صيام هذه الأيام المباركة. ومع ذلك، يطرح بعض الناس تساؤلات مهمة حول حكم الأكل أو الشرب ناسيًا أثناء صيام هذه الأيام، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في هذه المقالة.
أولًا، من المهم توضيح أن النسيان أثناء الصيام هو أمر وارد ويحدث لكثير من الناس، وقد اهتم الشرع الإسلامي بتوضيح حكمه حتى لا يقع المسلم في الحيرة أو القلق. وفي هذا السياق، أكدت دار الإفتاء المصرية أن من أكل أو شرب ناسيًا أثناء صيامه في العشر الأوائل من ذي الحجة، فلا يبطل صومه، ويجب عليه أن يكمل صيامه.
وهذا الحكم يستند إلى الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ». هذا الحديث يوضح أن النسيان معفو عنه، وأن الطعام أو الشراب الذي دخل إلى جوفه كان بقدر من الله ورحمته.
ثانيًا، يستحب الإشارة إلى أن هذا الحكم ينسحب على الصيام النافلة والفرض على حد سواء، خلافًا لما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله، الذي رأى أن حكم النسيان ينطبق فقط على الصيام النافلة، أما صيام الفرض مثل رمضان، فيلزمه قضاء اليوم الذي أكل أو شرب فيه ناسياً. إلا أن غالبية العلماء، ومنهم الحنفية والشافعية والحنابلة، أقروا أن الصوم لا يفسد بالنسيان في أي نوع من الصيام.
كما يستدل جمهور العلماء على هذا الرأي بحديث آخر ورد عن الطبراني والدار قطني والحاكم وغيرهم، حيث جاء فيه: «مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ». ويعني هذا الحديث أن الإفطار بسبب النسيان لا يلزم معه قضاء أو كفارة، بل يكمل الصائم يومه ويكون صيامه صحيحًا.
من ناحية أخرى، أوضح الدكتور عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن تناول الطعام أو الشراب ناسيًا أثناء الصيام، سواء كان ذلك في نهار رمضان أو في صيام التطوع مثل العشر الأوائل من ذي الحجة، لا يبطل الصيام ولا يتطلب من الصائم قضاء أو كفارة. وأكد في شرحه أن هذه القاعدة فقهية متفق عليها بين العلماء، لما فيها من رحمة وتيسير على العباد.
كما استشهد الدكتور عويضة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه»، وهو حديث صحيح رواه مسلم.
وفي رواية أخرى نقلها الدار قطني قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه». وهذا التأكيد من النصوص النبوية يوضح بجلاء أن النسيان لا يفطر الصائم.
الحديث عن حكم الأكل أو الشرب ناسيًا يرتبط بفهم شامل لرحمة الله في الشريعة الإسلامية، فهي رحمة واسعة تسر الصائمين وتخفف عنهم، خصوصًا في أيام العبادة والفضل. فلو فرضنا أن النسيان يفطر الصائم، لأدى ذلك إلى مشقة كبيرة على الناس، وربما جعل البعض يتردد عن الصيام. ولكن الله سبحانه وتعالى جعل الشريعة رحيمة ويسيرة لتيسير العبادة على المؤمنين.
بناءً على ما تقدم، فإن من أكل أو شرب ناسيًا أثناء صيامه في العشر الأوائل من ذي الحجة أو في رمضان أو غيرها من الصيام، فلا إثم عليه، ويجب عليه أن يواصل صيامه حتى نهاية اليوم. وهذا يمنح الصائم راحة البال والطمأنينة، ويحثه على الاستمرار في العبادة دون خوف أو تردد.
ويوصى كل مسلم بالصبر والمداومة على الصيام خاصة في هذه الأيام المباركة، مع التأكد من نية الصيام الخالصة لله سبحانه وتعالى، والابتعاد عن الملهيات التي قد تسبب النسيان أثناء الصيام. ويجب أن تكون هذه الأيام فرصة لتقوية العلاقة مع الله، بالتقرب بالعبادات والطاعات والذكر والصدقات.
باختصار، صيام العشر الأوائل من ذي الحجة من أعظم القربات وأفضل الأعمال، والله يسر ذلك لعباده وجعل لهم فيه أجرًا عظيمًا. والنسيان أثناء الصيام لا يبطل الصيام، والله يغفر لمن نسى ويقبل صيامه إن شاء الله، ويجب أن يستغل المسلم هذه الأيام الكريمة بالتقوى والطاعة، راجيًا عفو ربه ورحمته.