وفي هذا السياق، أكد الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، أن البنك المركزي هو المسؤول الأول عن السياسة النقدية في مصر، وهو من يملك السيادة النقدية التي تعد من أهم ركائز الاقتصاد الوطني.
كرامة وهيبة الدولة وارتباطها بالعملة
أكد الدكتور مدحت نافع في تصريحات تليفزيونية عبر قناة “العربية بيزنس” أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين هيبة الدولة وكرامتها وعملتها الوطنية. وقال نافع إن هذا الارتباط ليس مجرد مسألة اقتصادية فقط، بل هو جزء من العلوم السياسية أيضًا.
فالعملة القوية تدل على قوة الدولة واستقرارها، بينما العملات الضعيفة يمكن أن تعكس ضعف الدولة اقتصاديًا وسياسيًا. وأضاف أن على رئيس الوزراء أن يركز في مجالات عمل الحكومة الرئيسية ولا يتدخل في ما هو من اختصاص البنك المركزي، الذي يمتلك المسؤولية كاملة عن السياسات النقدية للبلاد.
السيادة النقدية وأثرها على الاقتصاد
وأوضح نافع أن السيادة النقدية هي قدرة الدولة على التحكم الكامل في سياستها النقدية، بما في ذلك إصدار العملة وسحبها من الأسواق، وهو ما يعكس مدى قوة الدولة في الحفاظ على استقرار عملتها.
وأشار إلى أن السيادة النقدية لا تعني بالضرورة تثبيت سعر الصرف بشكل ثابت، كما يعتقد البعض، بل تعني قدرة الدولة على تنظيم تحركات العملة بما يتماشى مع الأوضاع الاقتصادية، من أجل الحفاظ على استقرار الأسعار والقوة الشرائية.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن تعويم الجنيه ليس بالضرورة الحل الأمثل للمشاكل الاقتصادية التي قد تواجهها الدولة. كما شدد على أن السيادة النقدية تتيح للبنك المركزي استخدام أدواته المختلفة لموازنة الطلب على الدولار وتحقيق استقرار العملة الوطنية. وأضاف أن تدخل الحكومة في تحديد سعر الصرف قد يكون له آثار سلبية على السوق، خاصة إذا كان الأمر يخص تصريحات تتعلق بتوقعات سعر الدولار في المستقبل.
توضيح رئيس الوزراء بشأن سعر الدولار
بخصوص تصريح رئيس الوزراء حول توقعات ارتفاع أو انخفاض سعر الدولار بنسبة 5% في الفترة المقبلة، أكد الدكتور مدحت نافع أن تصريحات رئيس الوزراء تم تقديمها على سبيل التوضيح، ولم تكن دعوة لتغيير السياسة النقدية بشكل مفاجئ.
وأضاف أن صندوق النقد الدولي، الذي يتعامل مع مصر بشكل دوري، لا يمانع من أن تكون هناك مرونة في ربط سعر الصرف، لكن لم يتم الحديث عن تعويم كامل أو تحرير سعر الدولار من قبل الصندوق.
وأشار نافع إلى أن النطاق السعري الذي تحدث عنه رئيس الوزراء قد يكون مفيدًا، لكن على البنك المركزي تحديده بناءً على مؤشرات اقتصادية ومالية دقيقة. فالبنك المركزي لديه الأدوات اللازمة لإدارة هذه السياسة بشكل يتماشى مع الوضع الاقتصادي الراهن، مثل القدرة على استخدام الاحتياطيات النقدية، ورفع أو خفض الفائدة، أو التدخل في السوق لضبط العرض والطلب على العملة.
تأثير التصريحات على سعر الدولار
وأوضح نافع أن تصريحات رئيس الوزراء قد تؤثر بالفعل على حركة سعر الدولار في السوق، حيث قد يترتب عليها حالة من عدم اليقين بين المستثمرين والمواطنين على حد سواء. في حال لم يتم التوضيح بشكل دقيق من الجهات المختصة حول آلية تنفيذ هذه التصريحات، فإن ذلك قد يؤدي إلى اضطراب في حركة السوق وزيادة التقلبات في سعر الصرف.
وأكد الخبير الاقتصادي أن التصريحات المتعلقة بسعر الصرف يجب أن تكون مدروسة بعناية، وأن التنبؤات الخاصة بأسعار العملات يجب أن تتم بناءً على تحليل دقيق للعوامل الاقتصادية المحلية والدولية. وأشار إلى أن السوق المصري يشهد الكثير من التحديات المرتبطة بالعوامل الخارجية مثل تقلبات أسعار النفط والتغيرات في الأسواق العالمية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على استقرار سعر الدولار.
في ختام حديثه، أكد الدكتور مدحت نافع أن البنك المركزي المصري يعمل على وضع السياسات النقدية التي تضمن استقرار الجنيه المصري، ويعمل في إطار من التنسيق مع الحكومة لتوفير البيئة الاقتصادية المناسبة للاستثمار والنمو. كما أوضح أن نجاح هذه السياسات يعتمد على الالتزام بالشفافية في التعامل مع الأسواق، والابتعاد عن التدخلات الحكومية المباشرة في شؤون البنك المركزي.
وخلص إلى أن سعر الصرف لا ينبغي أن يكون أداة لتصريحات سياسية، بل هو نتيجة لعدة عوامل اقتصادية يجب أن تُدار بشكل مهني وموضوعي لضمان استقرار العملة الوطنية وتحقيق التوازن في الاقتصاد المصري. وأكد على ضرورة أن يستمر البنك المركزي في تطبيق سياساته النقدية بحذر، مع مراعاة التأثيرات المحتملة لأي قرارات على الأوضاع الاقتصادية للمواطنين وللأسواق المحلية والدولية.