سعر النفط مرشح لبلوغ 50 دولارًا للبرميل في عام 2026 . تشير تقديرات مؤسسة كابيتال إيكونوميكس إلى أن سوق النفط العالمي مقبل على مرحلة من التراجعات الواضحة خلال العامين القادمين، وذلك في ظل السياسات التي يتبعها تحالف “أوبك+”، والتغيرات المتوقعة في مستويات العرض والطلب عالميًا.
وبحسب المؤسسة، فإن سعر خام برنت، الذي يُعد المؤشر الأهم في أسواق النفط، قد يتراجع إلى مستوى 60 دولارًا للبرميل مع نهاية عام 2025، على أن يواصل الانخفاض بعدها ليصل إلى 50 دولارًا فقط بحلول نهاية عام 2026.
هذه التقديرات تحمل بين طياتها دلالات اقتصادية مهمة، خاصة مع ارتباط أسعار النفط الوثيق بالنمو العالمي، وأسواق الطاقة، وحتى بالموازنات العامة للدول المنتجة للنفط.
أسباب توقعات الانخفاض
1. خطة “أوبك+” لإنهاء التخفيضات الطوعية
أحد العوامل الرئيسية التي تفسر هذا التراجع المتوقع هو استراتيجية تحالف أوبك+، الذي يضم كبار المنتجين في العالم بقيادة السعودية وروسيا. التحالف كان قد اتفق خلال الفترة الماضية على تطبيق تخفيضات طوعية للإنتاج بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا من أجل دعم الأسعار. لكن مع مرور الوقت، بدأ المنتجون في التراجع عن هذه التخفيضات تدريجيًا.
فقد تم بالفعل إلغاء الجزء الأول من هذه الخطة، في حين من المنتظر أن تتم إضافة نحو 137 ألف برميل يوميًا إضافية في أكتوبر المقبل إلى الأسواق، وهو ما يعني أن المعروض سيزداد تدريجيًا في وقت ربما لا تكون فيه الأسواق قادرة على استيعاب هذه الكميات.
2. تقديرات العرض والطلب
يؤكد حمد حسين، الخبير في اقتصاد المناخ والسلع لدى “كابيتال إيكونوميكس”، أن التحالف يتعامل مع السوق بتفاؤل حذر، إلا أن التقديرات الداخلية للمؤسسة تشير إلى أن المعروض الإضافي قد يتجاوز قدرة السوق على الاستيعاب عند المستويات السعرية الحالية، مما يضغط على الأسعار نحو الهبوط.
التحديات التي تواجه سوق النفط
تباطؤ الطلب الصيني
تُعد الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، وبالتالي فإن أي تغير في مستويات استهلاكها ينعكس مباشرة على الأسعار. وتشير البيانات إلى أن المخزونات الصينية ارتفعت بنحو 1.5 مليون برميل يوميًا بين مارس ويوليو 2025، وهو ما يعكس وجود فائض نسبي في المعروض.
إلى جانب ذلك، يواجه الاقتصاد الصيني تحديات هيكلية، مثل تباطؤ النشاط الصناعي وزيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية، وهي عوامل تقلل من حجم النمو المتوقع في استهلاك الوقود الأحفوري خلال السنوات المقبلة.
العوامل الموسمية
من المعروف أن سوق النفط يتأثر بالعوامل الموسمية، مثل زيادة الطلب على وقود التدفئة في الشتاء أو على وقود الطائرات في مواسم السفر. غير أن مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” ترى أن هذه العوامل فقدت جزءًا من تأثيرها الإيجابي خلال الربع الثالث من عام 2025، ومن المتوقع أن يتلاشى هذا الدعم تدريجيًا في الفترة المقبلة، مما يعزز من احتمالات تراجع الأسعار.
رؤية “أوبك+”
ورغم هذه التحديات، تبرر “أوبك+” قرارها بالتخلي عن التخفيضات الطوعية في الإنتاج بوجود مؤشرات على انخفاض المخزونات العالمية، بالإضافة إلى نجاحها في إبقاء الأسعار ضمن نطاق يتراوح بين 65 و70 دولارًا للبرميل خلال الأشهر الماضية. ويرى مسؤولو التحالف أن هذا النطاق السعري يعكس توازنًا مقبولًا بين مصالح المنتجين والمستهلكين.
ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف من أن يؤدي توسع المعروض إلى ضغوط أكبر على الأسعار في النصف الثاني من 2025 وما بعده، خاصة إذا لم يتواكب ذلك مع نمو موازٍ في الطلب العالمي.
تأثير التراجع المتوقع على الاقتصاد العالمي
انخفاض أسعار النفط إلى مستوى 50 دولارًا للبرميل بحلول 2026 سيحمل انعكاسات اقتصادية متباينة:
الدول المستوردة للنفط مثل مصر والهند واليابان قد تستفيد من هذا التراجع عبر تقليص فاتورة الاستيراد ودعم موازناتها.
في المقابل، ستواجه الدول المصدرة للنفط، مثل السعودية وروسيا والعراق، ضغوطًا مالية، ما قد يدفعها إلى البحث عن بدائل اقتصادية وتنويع مصادر الدخل.
شركات الطاقة الكبرى قد تضطر إلى إعادة النظر في خطط استثماراتها، خاصة في مشاريع النفط مرتفعة التكلفة مثل الحقول البحرية أو النفط الصخري.
يمكن القول إن سوق النفط العالمي يسير نحو مرحلة جديدة من التقلبات الحادة، حيث تتوقع مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” أن يشهد النفط هبوطًا واضحًا في الأسعار خلال العامين المقبلين، ليصل إلى 60 دولارًا في نهاية 2025 ثم 50 دولارًا مع ختام 2026.
هذا التراجع المحتمل سيكون نتيجة مباشرة لزيادة المعروض بفعل سياسات “أوبك+”، إلى جانب التباطؤ في الطلب العالمي، خصوصًا من الصين، إضافة إلى عوامل موسمية واقتصادية أخرى.
ورغم أن بعض الأطراف قد ترى في هذه الأسعار فرصة لتخفيف الأعباء الاقتصادية، فإنها في الوقت ذاته قد تفرض تحديات ضخمة على ميزانيات الدول المنتجة للنفط، ما يجعل السنوات المقبلة حافلة بالاختبارات والتحديات في أسواق الطاقة العالمية.
