روسيا في مواجهة الغرب اتهامات بالتدخل في الانتخابات المولدافية وتأثيراتها الجيوسياسية . روسيا تتهم الغرب بالتدخل السافر في انتخابات مولدافيا: دوافع، تداعيات وتأثيرات على الأمن الإقليمي في إطار تصاعد التوترات الجيوسياسية بين روسيا والغرب، جاءت الاتهامات الروسية بالتدخل السافر في انتخابات مولدافيا لتسلط الضوء على الصراع الأوسع الذي يهدد الاستقرار في المنطقة.
تعتبر مولدافيا، الواقعة بين رومانيا وأوكرانيا، واحدة من النقاط الساخنة في المنافسة بين القوى الكبرى، مما يجعلها في صميم الاستراتيجيات الجيوسياسية لكلا الجانبين.
منذ تفكك الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات، شهدت مولدافيا تحولات جذرية في سياستها الخارجية. بعد عقود من الاعتماد على روسيا، بدأت الحكومة المولدافية في السنوات الأخيرة بالتحول نحو الغرب.
مما أدى إلى تغييرات كبيرة في السياسة الداخلية والخارجية. الانتخابات الأخيرة كانت بمثابة اختبار حاسم لهذا الاتجاه، حيث حاولت القوى الغربية دعم مرشحين موالين لها، مما زاد من حدة المنافسة السياسية في البلاد.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مؤتمر صحافي إن “زيارة تشوي سون هوي تأتي وفقاً لاتفاق تم التوصل إليه خلال القمة الروسية الكورية في بيونج يانج في يونيو الماضي”، وفقاً للوكالة.
وكانت وزيرة خارجية كوريا الشمالية، الجمعة الماضي، قد أعربت عن دعم بلادها لروسيا في الصراع العسكري المستمر منذ أكثر عامين في أوكرانيا، مشيرةً إلى أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، أوعز بتقديم كل أنواع الدعم “اللامحدود” للجيش الروسي، وذلك وسط اتهامات بإرسال بيونج يانج آلاف الجنود إلى أوكرانيا.
تقديم الدعم لروسيا
وقالت تشوي سون هوي خلال المحادثات في العاصمة موسكو، والتي استمرت لأكثر من 3 ساعات، جزء منها علني، والجزء الأكبر خلف الأبواب المغلقة، مع نظيرها الروسي سيرجي لافروف، إن زعيم كوريا الشمالية “وعد منذ بداية الصراع الأوكراني، بتقديم الدعم والمساعدة لروسيا وشعبها، دون الالتفات لأحد، وذلك بشكل ثابت وقوي، فيما أسماه بالحرب المقدسة”.
وذكرت الوزيرة الكورية، أنه “ليس لدى بيونج يانج أدنى شك بأن الجيش الروسي سينتصر، بقيادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال الأزمة الأوكرانية”، مؤكدة أن بلادها “ستقف بثبات إلى جانب رفاقها الروس”.
وبدأت مؤخراً وسائل الإعلام الأوكرانية في نشر تقارير تزعم استعداد جنود كوريين شماليين للمشاركة في العمليات القتالية بأوكرانيا، دون وجود أي معلومات من مصادر موثوقة تؤكد ذلك.
وبحسب وكالة “بلومبرغ” الأميركية، ذكرت الاستخبارات الأوكرانية والكورية الجنوبية، أن بيونج يانج من الممكن أن ترسل ما يصل إلى 10و12 ألف جندي كوري شمالي إلى روسيا.
وتأتي زيارة تشوي في الوقت الذي انضم فيه حلف شمال الأطلسي “الناتو” إلى كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وأوكرانيا في تأكيد إرسال بيونج يانج قوات إلى روسيا، قائلاً إن “وحدات عسكرية كورية شمالية تم نشرها في منطقة كورسك الروسية على الحدود مع أوكرانيا”.
تاريخياً، كانت مولدافيا تحت النفوذ الروسي، ولكن مع تصاعد حركة الانفصال في منطقة ترانسنيستريا المدعومة من موسكو، وظهور حكومات مؤيدة للغرب، شعرت روسيا بأن نفوذها يتعرض للتهديد. الاتهامات الروسية تأتي في سياق محاولة الحفاظ على السيطرة على هذا البلد الهام، الذي يعتبر جسرًا استراتيجيًا بين أوروبا وروسيا.
اتهمت روسيا الغرب بشكل علني بالتدخل في الانتخابات المولدافية، مشيرة إلى أن الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تقوم بدعم مرشحين محددين وتوفير التمويل للحملات الانتخابية. هذه الاتهامات تشير إلى أن الغرب يسعى لتغيير اتجاه السياسة الداخلية لمولدافيا بما يخدم مصالحه، الأمر الذي تراه روسيا تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
الوزير الروسي للشؤون الخارجية، سيرغي لافروف، لم يتردد في وصف هذا التدخل بأنه “انتهاك صارخ للقوانين الدولية”، مضيفاً أن مثل هذه الأعمال ستؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة. يأتي هذا في وقت تعاني فيه روسيا من عزلة متزايدة نتيجة العقوبات الغربية والضغوط السياسية.
أثارت الاتهامات الروسية ردود فعل متباينة من الدول الغربية. بعض القادة الأوروبيين استنكروا الاتهامات، مؤكدين أن الدعم الذي يقدمونه هو دعماً للديمقراطية وحقوق الإنسان، وليس تدخلاً في الشؤون الداخلية.
وقد اعتبرت هذه الدول أن من حقها دعم القيم الديمقراطية في الدول المجاورة، خاصة في ظل التهديدات التي تمثلها الأنظمة الاستبدادية من جهة أخرى، أبدى بعض المراقبين الدوليين قلقهم من أن هذه الاتهامات قد تؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار في مولدافيا.
فقد أشاروا إلى أن تدخلات الغرب المحتملة قد تثير ردود فعل شعبية ضد القوى الموالية للغرب، مما يزيد من احتمالات الاحتجاجات والنزاعات السياسية الداخلية فإن التدخل الغربي في الانتخابات المولدافية قد يحمل تداعيات وخيمة على الأمن الإقليمي. في حال استمرت التوترات.
قد يؤدي ذلك إلى تصعيد النزاعات في المنطقة، وفتح الباب أمام تصرفات روسية أكثر عدوانية. يمكن أن تؤثر هذه الوضعية على العلاقات بين مولدافيا وجيرانها، وخاصة مع أوكرانيا ورومانيا.
علاوة على ذلك، فإن الوضع في مولدافيا قد يشجع دولاً أخرى في المنطقة على اتخاذ مواقف مماثلة. يمكن أن يؤدي الدعم الغربي لدول مثل مولدافيا إلى خلق شعور بالتهديد لدى الدول المدعومة من روسيا، مثل بيلاروسيا وأرمينيا، مما يزيد من حدة التوترات بين الأطراف المختلفة.
تظل الأوضاع في مولدافيا معقدة، والاتهامات الروسية بالتدخل السافر في الانتخابات تعكس صراعًا أوسع بين القوى الكبرى. من الواضح أن هذا الصراع يتجاوز حدود مولدافيا، حيث يعكس تنافسًا جيوسياسيًا متجذرًا يمتد إلى جميع أنحاء المنطقة.
ولضمان استقرار المنطقة، سيكون من الضروري أن تعمل الدول الكبرى على إيجاد حلول دبلوماسية تعزز من سيادة الدول وحقوق الشعوب، بدلاً من الانزلاق نحو صراعات جديدة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة للجميع.