دعاء اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك تأمُلٌ في الدعاء . التوكل على الله وتفضيل القرب منه فهم عميق ودعاء عظيم التوكل على الله عز وجل هو أحد المفاهيم العميقة التي يتمثل فيها إيمان المؤمن وثقته التامة بقدرة الله ورحمته. إنه ليس مجرد فعل أو دعاء، بل هو ركن أساسي من أركان الإيمان والتوحيد.
في دعائنا: “اللهم اجعلني فيه من المتوكلين عليك، واجعلني فيه من الفائزين لديك، واجعلني فيه من المقربين إليك بإحسانك يا غاية الطالبين”، نطلب من الله تعالى أن يجعلنا من المتوكلين عليه، الفائزين برضا الله، والمقربين إلى الله، في إشارة إلى أسمى درجات التوكل والفوز بالقرب منه.
التوكل: أساس الإيمان وركن من أركانه
قال الله تعالى في القرآن الكريم: “فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين” (آل عمران – 159). التوكل على الله هو أن يعتمد العبد عليه في كافة شؤونه ويترك له تدبير أموره. هذا التوكل هو النبع الذي يستمد منه المؤمن ثقته في الله عز وجل، وهو حالة من التسليم المطلق للقدرة الإلهية.
النبي صلى الله عليه وآله أكد هذا المعنى في حديثه عندما قال: “العلم بأن المخلوق لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله، ولم يرج ولم يخف سوى الله، ولم يطمع في أحد سوى الله، فهذا هو التوكل” (البحار ج74 ص20).
وتعتبر الآيات القرآنية والروايات الشريفة أن التوكل على الله هو أحد شروط الإيمان والإسلام. كما قال تعالى: “وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين” (المائدة – 23) و*”إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين”* (يونس – 84). هذه الآيات تبين أن التوكل على الله ليس مجرد أمر اختياري، بل هو جوهر الإيمان الإسلامي، وإذا لم يثق المؤمن بالله ولم يتوكل عليه، فلا يكتمل إيمانه.
أمير المؤمنين علي عليه السلام وصف التوكل بأنه ركن أساسي من أركان الإيمان عندما قال: “الإيمان على أربعة أركان: التوكل على الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لأمر الله، والرضا بقضاء الله” (غرر الحكم). كما أن البيت لا يستقيم إلا بأركانه، فإن الإيمان لا يستقيم إلا بتوافر أركانه، وأحد هذه الأركان هو التوكل على الله.
مراتب التوكل: درجات متفاوتة في الثقة والتسليم
علماء الأخلاق قد قسموا التوكل إلى مراتب ودرجات، تبدأ من أدنى مراتب التوكل إلى أرفعها. في المرتبة الأولى، يكون التوكل في شكل الثقة التامة بالوكيل في تدبير أموره. في المرتبة الثانية، يتعزز التوكل ليصل إلى درجة الطفل الذي لا يعرف سواه في التوكل على أمه.
أما في المرتبة الثالثة، فإن التوكل يصل إلى أسمى درجاته، حيث يصبح التوكل على الله كحال الميت بين يدي المغسل، فلا إرادة له سوى الخضوع الكامل لتقدير الله. هذه المراتب تمثل تصاعداً في درجة التسليم والاعتماد على الله عز وجل.
آثار التوكل على الله: قوة وثقة ونصر
التوكل على الله له آثار عظيمة في حياة المؤمن. وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله: “من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله” (كنز العمال: 5686). التوكل يعزز القوة النفسية للإنسان، ويمنحه شعوراً بالطمأنينة والراحة.
أما الإمام علي عليه السلام فقد قال: “أصل قوة القلب التوكل على الله” (غرر الحكم 3082). التوكل على الله لا يقتصر على القوة الروحية فقط، بل يتعداها إلى النصر، كما قال الإمام الباقر عليه السلام: “من توكل على الله لا يُغلب، ومن اعتصم بالله لا يُهزم” (جامع الأخبار ص 321).
التوكل على الله أيضاً يساهم في تسهيل الأمور وتيسير الصعاب. الإمام علي عليه السلام يقول: “من توكل على الله ذلَّت له الصعاب وتسهَّلت له الأسباب” (غرر الحكم 9028). كما أن الرزق يأتي من حيث لا يُحتسب، كما قال النبي صلى الله عليه وآله: “من توكل على الله كفاه مؤنته ورزقه من حيث لا يحسب” (كنز العمال 5693).
الفوز: طموح المؤمن ورغبته في القرب من الله
في دعائنا “واجعلني فيه من الفائزين لديك”, نتمنى أن نكون من الفائزين عند الله. لكن ما هو الفوز الذي نطلبه؟ وما هو معنى الفوز في الإسلام؟ الفوز لا يقتصر فقط على النجاح في الدنيا أو الثراء، بل هو الفوز برضا الله وجنته، وهو النصر الذي يأتي من معية الله تعالى.
وقد ذكرت الآيات القرآنية أنواع مختلفة من الفوز، منها الفوز برضا الله، الفوز بالجنة، الفوز بالمبايعة مع الله ورسوله، والفوز بدخول رحمة الله. كما أن القرآن يذكر أصناف الفائزين، من بينهم المؤمنون الذين آمنوا بالحق واهتدوا به، المهاجرون في سبيل الله، المجاهدون بأموالهم وأنفسهم، والصابرون الذين ثبتوا على عبادتهم.
القرب من الله: غاية المؤمنين ومبتغاهم
من أعظم ما يسعى إليه المؤمن هو القرب من الله عز وجل، وهو أمر لا يتحقق إلا من خلال المعرفة الصافية التي تنبع من معرفة أهل البيت عليهم السلام. القرب الإلهي لا يتحدد فقط بالأعمال الظاهرة مثل الصلاة والصوم، بل هو حالة قلبية تتجسد في التوجه الكامل لله، والالتزام بتعاليم أهل البيت عليهم السلام، الذين هم الطريق الوحيد إلى معرفة الله عز وجل.
التقرب إلى الله يتحقق أيضاً من خلال الأعمال الصالحة، مثل الصدقات، وحسن الخلق، والتسليم التام لأمر الله. وكلما كان المؤمن أقرب إلى نهج أهل البيت عليهم السلام، كان أقرب إلى الله عز وجل. وقد ورد في زيارة عاشوراء: “إني أتقرب إلى الله وإلى رسوله وإلى أمير المؤمنين وإلى فاطمة وإلى الحسن وإليك بموالاةك وبالبراءة ممن قاتلك…” هذه المواظبة على اتباع نهج أهل البيت والبراءة من أعدائهم هي أحد أعظم السبل للوصول إلى القرب الإلهي.
التوكل والفوز والقرب من الله
في الختام، فإن التوكل على الله هو ركن أساسي في الإيمان، وهو السبيل الذي يحقق للمؤمن القوة والنصر وتيسير الأمور. والفوز عند الله له معانٍ عظيمة، تبدأ من رضا الله وتنتهي بالجنة. أما القرب من الله فلا يتحقق إلا من خلال المعرفة الصافية بالطريق الذي رسمه أهل البيت عليهم السلام، الذين هم السبيل الوحيد للوصول إلى الله عز وجل.