حقن التخسيس تحت المجهر فائدة غير متوقعة لمرضى الجهاز التنفسي . في تطور لافت ومبشر في مجال الطب، كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة “أبردين” البريطانية بالتعاون مع معهد البحوث الرصدية والبراغماتية (OPRI) في سنغافورة عن نتائج غير متوقعة لواحدة من أشهر مجموعات أدوية التخسيس، وهي أدوية “GLP-1”.
فبينما كان يُنظر إلى هذه الأدوية في الأساس على أنها وسيلة فعالة لخسارة الوزن والتحكم في نسبة السكر في الدم، أظهرت الدراسة أنها قد تساهم بشكل فعّال أيضًا في تحسين أعراض الربو، وهو ما قد يفتح بابًا جديدًا أمام الأطباء لاستخدام هذه الأدوية في مجالات أوسع من استخدامها التقليدي.
وأوضحت الدراسة أن المرضى الذين تناولوا أدوية GLP-1 أظهروا تحسنًا ملحوظًا في أعراض الربو، حيث انخفضت حاجتهم إلى استخدام الأدوية الستيرويدية المعتادة، كما تراجعت الحاجة إلى الأدوية الإضافية التي تُوصف عادةً للسيطرة على نوبات الربو المتكررة. وتُعد هذه النتيجة مفاجأة إيجابية في ظل التحديات التي يواجهها مرضى الربو، خاصة أولئك الذين يعانون من السمنة، والذين غالبًا ما يظهرون مقاومة تجاه العلاجات التقليدية.
وتعتمد آلية عمل أدوية GLP-1 على محاكاة تأثير هرمون طبيعي يُفرز في الجسم، والذي يلعب دورًا محوريًا في تنظيم مستويات الجلوكوز في الدم وتحفيز إفراز الإنسولين، إلى جانب تقليل الشهية وبالتالي المساهمة في إنقاص الوزن.
إلا أن الباحثين في هذه الدراسة أشاروا إلى أن لهذه الأدوية قدرة إضافية على التأثير في الجهاز التنفسي من خلال تقليل الالتهابات في الممرات الهوائية. وهذا التأثير المضاد للالتهابات قد يكون العامل الأساسي وراء التحسن الذي لوحظ في حالات الربو، حتى دون فقدان كبير في الوزن.
وأشار البروفيسور “برايس”، أحد المشاركين في الدراسة، إلى أن أدوية GLP-1 تتميز بآليات مختلفة عن تلك التي تعمل بها الأدوية الستيرويدية التقليدية، والتي عادةً ما تُستخدم في علاج الربو. وذكر أن مرضى الربو الذين يعانون من السمنة عادةً ما تكون استجابتهم ضعيفة لتلك العلاجات، مما يجعلهم بحاجة ماسة إلى بدائل أكثر فعالية.
وأضاف أن التحسن الذي سجلته الدراسة في أعراض المرض لم يكن مرتبطًا بفقدان وزن كبير، بل ظهر حتى في حالات فقدان طفيف للوزن، وهو ما يعزز من فرضية التأثير المباشر للدواء على الالتهابات وليس فقط على الوزن.
ومن جانبه، أكد البروفيسور “آلان كابلان”، رئيس مجموعة أطباء الأسرة في كندا، أن نتائج هذه الدراسة تُعد واعدة وتستحق المزيد من البحث والتجريب. وقال إن أدوية GLP-1 RA قد تكون خيارًا واعدًا لتحسين السيطرة على الربو لدى المرضى الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة.
ومع ذلك، شدد على ضرورة إجراء دراسات سريرية أوسع نطاقًا وعلى مدى زمني أطول، لضمان فعالية هذه الأدوية وسلامتها عند استخدامها لعلاج الربو إلى جانب دورها المعروف في خسارة الوزن.
ويعاني ملايين الأشخاص حول العالم من الربو، وهو مرض مزمن يصيب الشعب الهوائية ويؤدي إلى ضيق التنفس والسعال وأحيانًا نوبات قد تهدد الحياة. وتزداد خطورة هذا المرض لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة، حيث تشير دراسات سابقة إلى أن الوزن الزائد قد يزيد من شدة الأعراض ويقلل من فعالية العلاجات التقليدية. وهنا تأتي أهمية هذا الاكتشاف الطبي، الذي يمكن أن يسهم في تقديم حل مزدوج لمشكلتين صحيّتين مرتبطتين ارتباطًا وثيقًا: السمنة والربو.
ويضيف الباحثون أن فهم العلاقة بين الجهاز الهضمي، والهرمونات، والجهاز التنفسي قد يفتح أبوابًا جديدة في الطب الشخصي، حيث يمكن تصميم علاجات تتناسب مع احتياجات كل مريض بناءً على تاريخه الصحي ووزنه ونمط حياته. وقد تكون أدوية GLP-1 خطوة أولى في هذا الاتجاه.
ويُشار إلى أن أدوية GLP-1 RA أصبحت شائعة في الآونة الأخيرة بفضل فعاليتها في إنقاص الوزن لدى الأشخاص المصابين بالسمنة أو مرض السكري من النوع الثاني، ومن أبرزها “سيماجلوتايد” و”ليراجلوتايد”، والتي تُستخدم تحت إشراف طبي وفي إطار برامج علاجية متكاملة.
في نهاية المطاف، تؤكد هذه الدراسة أن الطب لا يتوقف عن التطور والاكتشاف، وأن استخدام الأدوية لم يعد حكرًا على أهداف محددة سلفًا، بل يمكن أن تتكشف فوائدها مع مرور الوقت واستخدامها في سياقات مختلفة. وقد يكون الربو هو أحدث المجالات التي تستفيد من ثمار هذا التطور، مما يمنح المرضى أملًا جديدًا في تحسين جودة حياتهم اليومية.