جين في الخفافيش يفتح آفاقًا جديدة في محاربة الفيروسات مثل كوفيد-19 . منذ خمس سنوات من تفشي جائحة “كوفيد-19″، لا يزال العلماء في جميع أنحاء العالم يواصلون دراستهم لفهم تأثيرات الفيروس وكيفية التخفيف من تأثيراته في المستقبل. وعلى الرغم من التقدم الذي تحقق في مجال اللقاحات والعلاج، لا يزال الفيروس يشكل تهديدًا عالميًا مستمرًا، مما يحفز الباحثين على مواصلة البحث والتطوير في هذا المجال.
في هذا السياق، جاء اكتشاف علمي حديث يحمل أملًا جديدًا في محاربة “كوفيد-19” والأمراض الفيروسية الأخرى. فقد أظهرت دراسة دولية حديثة نتائج مثيرة للاهتمام قد تسهم في تقديم حلول جديدة لمكافحة الفيروسات. وهذا الاكتشاف تم بفضل جهود مختبرات جامعة تكساس التقنية، التي لعبت دورًا رئيسيًا في توجيه البحث نحو معرفة أعمق حول كيفية مقاومة الخفافيش للفيروسات.
أحد أبرز النتائج التي كشف عنها البحث هو دور الجينات الفريدة في الخفافيش. إذ تبين من خلال الدراسة التي نُشرت في مجلة “نيتشر” العلمية المرموقة أن هذه الحيوانات تمتلك مكونات جينية متطورة تمكنها من التكيف بشكل استثنائي مع الفيروسات. كانت هذه الاكتشافات محورية في محاولة فهم آلية مقاومة الخفافيش للأمراض الفيروسية، لا سيما فيروس SARS-CoV-2 الذي يسبب “كوفيد-19”.
وكان الفريق البحثي الذي يقوده البروفيسور ديفيد راي، أستاذ ورئيس قسم العلوم البيولوجية المساعد في جامعة تكساس التقنية، قد أجرى دراسة تفصيلية حول جينوم الخفافيش. في إطار هذه الدراسة، تم تحديد جينات معينة في نوع خاص من الخفافيش التي أظهرت تكيفًا جينيًا فريدًا.
ووفقًا للدراسة، فإن جينًا شائعًا في بعض أنواع الخفافيش قادر على تقليل إنتاج فيروس SARS-CoV-2 بنسبة تصل إلى 90%. هذا الاكتشاف قد يوفر أرضية خصبة لطرق علاجية جديدة قد تساهم في تقليل تأثير الفيروسات على البشر مستقبلاً.
وقد أعرب البروفيسور راي عن إعجابه بقدرة الخفافيش على مقاومة الفيروسات، مشيرًا إلى أن هذه الحيوانات تتمتع بقدرة مذهلة على التعامل مع العدوى الفيروسية التي تسبب أمراضًا خطيرة للبشر. في حين يصاب البشر بأمراض شديدة عند تعرضهم لنفس الفيروسات، فإن الخفافيش لا تظهر عليها أي أعراض تذكر. هذا الاختلاف البيولوجي بين البشر والخفافيش يفتح أفقًا جديدًا لفهم كيفية مقاومة الأمراض الفيروسية.
تستند هذه الاكتشافات إلى دراسات جينومية متقدمة قام بها مختبر راي في جامعة تكساس التقنية، حيث ساعد في تحليل وتوصيف أجزاء من الجينوم في الخفافيش. من بين هذه الأجزاء كانت “العناصر القابلة للنقل” (TE)، وهي مناطق في الحمض النووي يمكنها نسخ نفسها وإحداث تنوع جيني داخل الجينوم. الخفافيش تملك مجموعة فريدة من هذه العناصر مقارنة مع باقي الثدييات، وهو ما يوفر لها آلية قوية لتوليد مسارات جينية جديدة تساعدها في مقاومة الفيروسات.
هذه الدراسة هي جزء من مشروع دولي طموح يُعرف باسم “Bat1K”، الذي يسعى إلى تسلسل جينومات كافة أنواع الخفافيش الحية التي يصل عددها إلى حوالي 1500 نوع. يتعاون في هذا المشروع عدة مؤسسات بحثية دولية، بما في ذلك معهد سينكنبرغ للأبحاث ومتحف التاريخ الطبيعي في فرانكفورت بألمانيا. ومن خلال هذا التعاون، يسعى العلماء إلى بناء قاعدة بيانات جينية متكاملة تساعد في فهم أفضل لكيفية مقاومة الخفافيش للأمراض الفيروسية.
التركيز في هذه الدراسة كان بشكل خاص على جين يسمى “ISG15“، وهو جين يرتبط بمسار مرض “كوفيد-19” الشديد لدى البشر. على الرغم من أن الخفافيش تحمل العديد من الفيروسات التي يمكن أن تنتقل إلى البشر، إلا أنها لا تظهر أي أعراض عند إصابتها بهذه الفيروسات. وقد أظهرت النتائج أن جين “ISG15” المستخلص من الخفافيش يمكنه تقليل إنتاج فيروس SARS-CoV-2 بنسبة تتراوح بين 80% إلى 90%، وهو ما يشير إلى قدرة فريدة لدى الخفافيش في مقاومة الفيروسات.
وفي المقابل، لم يظهر الجين المأخوذ من الجينوم البشري أي تأثير مضاد للفيروسات في هذه الدراسة. هذا الاكتشاف يسلط الضوء على الفروق البيولوجية بين البشر والخفافيش ويطرح تساؤلات حول كيفية استفادة البشرية من هذه الفروق في تطوير علاجات جديدة.
يعتبر هذا الاكتشاف خطوة هامة في مجال الطب والبحث العلمي، حيث قد يوفر فهمًا أعمق للآليات البيولوجية التي تمكن الخفافيش من مقاومة الفيروسات. من الممكن أن تفتح هذه النتائج أبوابًا لتطوير أدوية وعلاجات جديدة قد تكون أكثر فعالية في مكافحة الأمراض الفيروسية في المستقبل.
إن هذه الدراسة تعد إنجازًا كبيرًا في مجال علم الوراثة وعلم الفيروسات، ويُتوقع أن تساهم بشكل كبير في تحسين القدرة على مكافحة الفيروسات في المستقبل. ومع استمرار البحث والدراسة في هذا المجال، قد يصبح لدى العلماء أدوات أكثر تطورًا لمحاربة الفيروسات التي تهدد الصحة العامة في المستقبل.
كما أن هذه النتائج قد تسهم في تحسين استراتيجيات الوقاية والعلاج ضد الفيروسات التي قد تتفشى في المستقبل، بالإضافة إلى تعزيز قدرة النظام الصحي العالمي على التعامل مع الأوبئة بشكل أفضل وأكثر كفاءة. إن توسيع نطاق هذه الأبحاث وتطبيقاتها في الطب والعلوم البيولوجية قد يكون له تأثير عميق على الصحة العالمية، ويساهم في تحسين رفاهية الإنسان في مواجهة تحديات الأمراض الفيروسية.