جين جديد قد يغير فهمنا للجوع والشهية . في تطور علمي بارز، أعلن فريق من الباحثين الأمريكيين عن اكتشاف جين جديد يُدعى Gpr45 يلعب دورًا حاسمًا في تنظيم الشهية، ما يفتح الباب أمام تطوير أدوية جديدة لمكافحة السمنة، وهي من أكثر التحديات الصحية انتشارًا حول العالم.
ونُشرت نتائج الدراسة في دورية “ساينس” المرموقة، حيث استخدم الباحثون تقنية متطورة تُعرف باسم “رسم خرائط الانقسام الاختزالي الآلي” (Automated Meiotic Mapping – AMM) لربط الطفرات الجينية بالسلوك الغذائي عند الكائنات الحية.
الجين المسؤول عن كبح الشهية
يعمل جين Gpr45 على التحكم في أهداب الخلايا العصبية الموجودة بمنطقة ما تحت المهاد (الهايبوثلاموس) في الدماغ، وهي المنطقة المعروفة بدورها المحوري في تنظيم مشاعر الجوع والشبع.
وأظهر البحث أن هذا الجين يقوم بتنشيط بروتين يُدعى Gαs، والذي بدوره يُحفز مستقبلًا دماغيًا يُعرف باسم MC4R، وهو أحد العوامل الرئيسية المسؤولة عن الشعور بالشبع لدى الإنسان.
نتائج مذهلة على الفئران
أجرى العلماء تجارب مخبرية على فئران معدلة وراثيًا لتعطيل وظيفة جين Gpr45، ولاحظوا أن هذه الفئران بدأت في تناول الطعام بشكل مفرط، ما أدى إلى زيادة كبيرة وسريعة في الوزن مقارنة بنظيراتها السليمة.
أما الفئران التي احتفظت بنشاط هذا الجين فقد أظهرت سلوكًا غذائيًا طبيعيًا، نتيجة استمرار تحفيز مستقبل MC4R، مما أدى إلى الشعور بالشبع وكبح الشهية بصورة فعالة.
دور الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجينية
ويُعد استخدام تقنية AMM في هذا البحث نقطة تحول في علوم الوراثة العصبية، حيث جمعت هذه التقنية بين أدوات التعديل الجيني المتطورة مثل CRISPR، وقدرات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات البيولوجية المعقدة.
وقد طُوّرت هذه التقنية بواسطة عالم الوراثة الأمريكي والحائز على جائزة نوبل بروس بويتلر، الذي أضاف بهذا الاكتشاف إنجازًا جديدًا لمسيرته العلمية في مجال الأبحاث الطبية.
تصريحات الفريق البحثي
قال الدكتور تشاو تشانغ، الباحث الرئيسي في الفريق، إن “هذا الاكتشاف يمثل خطوة مهمة نحو تطوير علاجات آمنة وفعالة للسمنة”. وأضاف: “حتى الآن، تقتصر الأدوية التي تستهدف مستقبل MC4R على حالات نادرة من السمنة الوراثية.
لكن العقاقير التي يمكن أن تنشّط جين Gpr45 قد تكون أكثر أمنًا وفاعلية لجميع المرضى، نظرًا لأنها تعتمد على آلية طبيعية تنظم الشهية بيولوجيًا”.
وأشار إلى أن دمج هذه الأدوية المستقبلية مع العلاجات الحالية قد يحقق نتائج أفضل على المدى الطويل، خاصةً لأولئك الذين يعانون من صعوبة في إنقاص الوزن بسبب اضطرابات هرمونية أو عوامل وراثية معقدة.
أهمية الاكتشاف في المعركة ضد السمنة
تُعد السمنة واحدة من أكثر الأمراض المزمنة شيوعًا في القرن الحادي والعشرين، حيث ترتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، والسكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، وبعض أنواع السرطان.
ومع تزايد معدلات السمنة عالميًا، تُصبح الحاجة إلى علاجات فعالة وآمنة أمرًا ملحًا. وتقول منظمة الصحة العالمية إن السمنة تؤثر حاليًا على أكثر من 650 مليون بالغ حول العالم، كما أن عدد الأطفال الذين يعانون من السمنة يتزايد بوتيرة مقلقة.
خطوة نحو الطب الشخصي
ومن المتوقع أن يكون لهذا الاكتشاف تأثير كبير على تطور الطب الشخصي، حيث يمكن استخدام التحليل الجيني لتحديد الأفراد الأكثر استفادة من الأدوية التي تستهدف Gpr45.
كما أن استخدام هذه المعلومات قد يساعد الأطباء على تصميم خطط غذائية وعلاجية دقيقة بناءً على التركيبة الجينية لكل مريض، مما يُحسن النتائج العلاجية ويقلل من الآثار الجانبية.
رغم أهمية هذا الإنجاز، لا تزال هناك حاجة لإجراء المزيد من التجارب السريرية على البشر للتأكد من فعالية الأدوية المحتملة التي تعتمد على تحفيز Gpr45.
ومع ذلك، يرى الخبراء أن هذه الدراسة تمثل بداية عهد جديد في فهم كيفية تنظيم الشهية من خلال الدماغ، وتحديد المسارات العصبية التي يمكن أن تُستخدم كأهداف علاجية دقيقة.
ويأمل الفريق البحثي أن تساعد هذه النتائج في إحداث طفرة علمية في مواجهة السمنة المزمنة من خلال فهم أعمق للآليات الجزيئية التي تتحكم في الشهية والسلوك الغذائي.