تصفح فيسبوك وإنستجرام بذكاء: هكذا تقلل ظهور الإعلانات . في الآونة الأخيرة، أعلنت شركة ميتا، المالكة لتطبيقي فيسبوك و إنستجرام، عن سياسة جديدة تتيح للمستخدمين خيارين واضحين: إما الاستمرار في استخدام المنصتين بشكل مجاني مع القبول بظهور الإعلانات المخصصة، أو دفع اشتراك شهري مقابل تجربة خالية من الإعلانات.
هذا الإعلان الذي بدا في ظاهره خطوة نحو “حرية الاختيار”، أثار موجة واسعة من الجدل، خصوصًا فيما يتعلق بقضايا الخصوصية وحماية البيانات، وهو ملف حساس يتصدر النقاشات العالمية منذ سنوات طويلة.
جدل حول الخصوصية وجمع البيانات
أحد أبرز الاعتراضات جاء من مركز حماية المستهلك في ولاية نوردراين فستفالن الألمانية، حيث أكد أن ميتا لا تزال تجمع بيانات المستخدمين حتى في حال الاشتراك المدفوع، وهو ما اعتبره خبراء الخصوصية انتهاكًا غير مبرر.
ففكرة الدفع، برأيهم، يجب أن تمنح المستخدم حماية كاملة من التتبع، وليس مجرد حجب الإعلانات. هذه النقطة أثارت بالفعل اعتراضات قانونية وتنظيمية، خاصة داخل الاتحاد الأوروبي، حيث التشريعات الخاصة بالخصوصية وحماية البيانات صارمة للغاية، أبرزها اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR).
كيف تعمل الإعلانات المخصصة؟
الإعلانات المخصصة ليست مجرد عرض عشوائي لمحتوى إعلاني، بل هي نتاج عملية تحليل معقدة لبيانات المستخدم. فعلى سبيل المثال، تتبع ميتا اهتماماتك من خلال الصفحات التي تعجبك، والروابط التي تضغط عليها، وحتى الأنشطة التي تقوم بها خارج المنصة. الهدف هو رسم صورة دقيقة لاهتماماتك وتقديم محتوى إعلاني يبدو أكثر ارتباطًا بك.
ورغم أن هذا قد يجعل تجربة التصفح أكثر “سلاسة”، إلا أن الجانب الآخر هو تضييق دائرة الخصوصية، حيث يتم جمع ومشاركة كم هائل من المعلومات الشخصية التي قد لا يدرك المستخدم حتى أنه يكشفها.
خيار الإعلانات العامة
منحت ميتا أيضًا خيارًا آخر وهو عرض إعلانات عامة أقل تخصيصًا. هذه الإعلانات لا تعتمد إلا على بيانات محدودة، مثل العمر أو الموقع الجغرافي، لكنها بطبيعة الحال تكون أقل دقة وأكثر تكرارًا، مما قد يجعل تجربة التصفح متقطعة بعض الشيء. ومع ذلك، يفضلها البعض باعتبارها أقل تدخلًا في خصوصياتهم.
ضبط الإعدادات يدويًا
من المثير للاهتمام أن ميتا لم تترك الأمر كليًا بيد الاشتراك المدفوع، بل أتاحت للمستخدمين إمكانية التحكم في تفضيلات الإعلانات يدويًا.
على إنستجرام، يمكن الدخول إلى الإعدادات → نظرة عامة على الحساب → تفضيلات الإعلانات، ومن هناك يختار المستخدم بين الإعلانات المخصصة أو العامة.
أما على فيسبوك، فيمكن الوصول إلى الخيارات نفسها من خلال إعدادات الحساب وقائمة “تجربة الإعلانات”.
هذه الخطوات قد لا توقف التتبع بشكل كامل، لكنها تمنح المستخدم مستوى أعلى من التحكم، وتعد بمثابة حل وسط لأولئك الذين لا يرغبون في دفع اشتراك شهري، ولكنهم في الوقت ذاته لا يريدون إغراق بياناتهم في نظام الإعلانات الموجهة.
الاشتراك المدفوع: حماية حقيقية أم مجرد وسيلة ربح؟
الميزة الجديدة التي قدمتها ميتا تحت اسم “التصفح بدون إعلانات” أثارت أسئلة حول قيمتها الحقيقية. فإذا كان الاشتراك لا يمنع جمع البيانات بشكل كامل، فهل هو مجرد وسيلة إضافية لتحقيق الأرباح من المستخدمين؟
هذا السؤال يزداد أهمية مع دخول هيئات حماية البيانات الأوروبية على خط الأزمة، حيث بدأت بالفعل في مراجعة السياسة الجديدة للتأكد من توافقها مع القوانين، خصوصًا أن الاتحاد الأوروبي معروف بتشدده في مثل هذه الأمور، ولا يتردد في فرض غرامات ضخمة على الشركات المخالفة.
القرار بيد المستخدم
في نهاية المطاف، يظل القرار شخصيًا. البعض يرى أن دفع رسوم شهرية أمر يستحق مقابل الحصول على تجربة نظيفة وخالية من الإعلانات، حتى لو لم يتم التخلص تمامًا من التتبع. بينما يفضل آخرون البقاء مع النسخة المجانية، مع الاستفادة من ضبط الإعدادات وتقييد البيانات المستخدمة، باعتبار أن هذه الخطوات البسيطة قد تكون كافية لحماية خصوصيتهم.
ميتا بين حماية الجمهور وزيادة الإيرادات
تصر ميتا على أن هذه السياسة تمنح المستخدمين “حرية أكبر” للاختيار، لكنها في الوقت نفسه تعكس استراتيجية واضحة لزيادة الإيرادات، سواء عبر الإعلانات أو عبر الاشتراكات. وبينما تواصل الشركة الدفاع عن قراراتها، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تستجيب ميتا فعلًا لمخاوف المستخدمين بشأن الخصوصية، أم أنها تسعى فقط لاستحداث مصادر جديدة للربح في سوق مزدحم ومنافس؟
القضية أعمق من مجرد خيار بين الإعلانات أو الاشتراك. إنها تعكس الصراع الدائم بين شركات التكنولوجيا العملاقة ومستخدميها، حيث يتقاطع الربح مع الخصوصية، والراحة مع الحرية الرقمية. وبالنسبة لملايين المستخدمين حول العالم، يبقى الوعي والمعرفة هما السلاح الأقوى لاتخاذ القرار الصحيح حول كيفية التعامل مع هذه السياسات.