ترامب يقرر تمديد مهلة بيع تطبيق “تيك توك” داخل أمريكا للمرة الثالثة . في أحدث تطور ضمن الصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة وتطبيق “تيك توك”، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس عن تمديد جديد لمهلة بيع المنصة الصينية الشهيرة داخل الولايات المتحدة، وذلك للمرة الثالثة على التوالي.
ويشكل هذا التمديد جزءًا من مسار معقد يتشابك فيه الأمن القومي الأمريكي، والمخاوف من النفوذ التكنولوجي الصيني، مع شعبية “تيك توك” المتزايدة بين المستخدمين الأمريكيين، الذين تجاوز عددهم 170 مليون مستخدم نشط.
التمديد الثالث.. موعد نهائي جديد للبيع
أعلن الرئيس ترامب عن المهلة الجديدة عبر منصته الخاصة “تروث سوشال”، مؤكدًا أن الموعد النهائي الجديد لبيع “تيك توك” سيكون في 17 سبتمبر 2025. وكان هذا القرار متوقعًا إلى حد ما في الأوساط السياسية والتجارية، خصوصًا بعد تأجيلين سابقين لنفس الموعد، نتيجة تعقيدات التفاوض والتنسيق بين واشنطن وبكين.
وأكد ترامب في بيانه أن التمديد لا يعني التراجع عن القرار، بل يهدف إلى منح “بايت دانس” الفرصة الأخيرة لإنهاء صفقة البيع بطريقة تضمن استمرار المنصة في السوق الأمريكية، تحت إشراف أمريكي واضح يضمن حماية بيانات المستخدمين.
رد “تيك توك”: شكر لترامب وتأكيد على التعاون
في أول رد رسمي على القرار، أعربت إدارة “تيك توك” عن امتنانها لقيادة الرئيس ترامب في توفير فرصة جديدة لبقاء المنصة متاحة لمستخدميها في الولايات المتحدة.
مشيرة إلى أن ما يزيد على 7.5 ملايين شركة أمريكية تعتمد على التطبيق في أنشطتها التسويقية والتجارية، مما يجعل استمرار “تيك توك” قضية تتجاوز الترفيه إلى الاقتصاد الرقمي الحقيقي.
وأكدت الشركة في بيانها أنها ستواصل العمل عن قرب مع نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس، الذي يلعب دورًا محوريًا في ملف التفاوض، بهدف الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف ويحافظ على مستقبل المنصة داخل أمريكا.
القانون الجديد والتهديد بالحظر
ويعود أصل الأزمة إلى قانون أقره الكونغرس الأمريكي في عام 2024، يُلزم أي تطبيق تواصل اجتماعي مملوك لشركة أجنبية تعتبر “تهديدًا محتملاً للأمن القومي” ببيع أصوله داخل الولايات المتحدة أو مواجهة الحظر الكامل.
وبحسب هذا القانون، فإن شركة “بايت دانس” الصينية يجب أن تتخلى عن سيطرتها على التطبيق في السوق الأمريكي، نظرًا لاتهامات متكررة بشأن استخدام بيانات المستخدمين الأمريكيين في أغراض قد تضر بالأمن القومي أو تنتهك الخصوصية، وهي الاتهامات التي طالما نفتها “تيك توك” مرارًا وتكرارًا.
وكان الرئيس ترامب قد وقّع أول أمر تنفيذي بإجبار “تيك توك” على البيع في عام 2024، ملوحًا بالحظر الكامل، قبل أن يمدد المهلة مرتين، ثم يأتي التمديد الثالث اليوم كمحاولة أخيرة لإنجاز صفقة مع شركة أمريكية مقبولة لدى الجهات التنظيمية.
الموقف الرسمي للبيت الأبيض
وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، قد أكدت في مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي أن الرئيس ترامب سيُوقع أمر التمديد الجديد “لأنه لا يريد أن يرى تيك توك تختفي”، مشيرة إلى أن الإدارة تسعى إلى حل واقعي يحافظ على حقوق المستخدمين الأمريكيين وفي الوقت نفسه يُبعد أي تهديد محتمل مصدره الخارج.
وأضافت ليفيت أن إدارة ترامب لا تستهدف الشركات الصينية بشكل مباشر، لكنها ملتزمة بسيادة القرار الأمريكي عندما يتعلق الأمر بالبيانات السيبرانية وأمن المعلومات، مشددة على أن “تيك توك” باتت أكثر من مجرد منصة ترفيه، بل أصبحت مساحة مؤثرة في آراء وسلوكيات ملايين الأمريكيين.
صفقة البيع المحتملة.. من هو المشتري؟
لا تزال المفاوضات جارية بين “بايت دانس” وشركات أمريكية متعددة من أجل شراء أنشطة “تيك توك” داخل الولايات المتحدة. ومن أبرز الأسماء المطروحة منذ البداية:
أوراكل (Oracle): أبدت رغبة في إبرام شراكة تقنية بدلاً من الاستحواذ الكامل.
مايكروسوفت (Microsoft): قدمت عرضًا مبكرًا لكنها انسحبت لاحقًا.
كونسورتيوم من مستثمرين أمريكيين: بقيادة شركات استثمارية مثل “سيفرنت كابيتال”.
ولا تزال العقبة الرئيسية أمام إتمام الصفقة هي موافقة الحكومة الصينية، التي ترفض حتى الآن نقل خوارزميات التطبيق وتقنياته الحساسة إلى جهات أجنبية.
صراع سيادي أم صراع تكنولوجي؟
يرى محللون أن قضية “تيك توك” تحولت إلى نقطة صراع سيادي بين واشنطن وبكين، تتجاوز التطبيق ذاته إلى ملف أوسع يتعلق بالهيمنة التكنولوجية والرقمية في العالم.
فـ”تيك توك” تمثل أحد رموز النجاح الصيني في اختراق الأسواق الغربية، وهو ما يُقلق صانعي القرار في الولايات المتحدة، خاصة في ظل الفشل النسبي للمنصات الأمريكية في اختراق السوق الصيني بالمقابل.
ويُضاف إلى ذلك أن “تيك توك” بات يُستخدم على نطاق واسع في الحملات الانتخابية والتسويقية، مما يجعله أداة تأثير فعّالة في الرأي العام الأمريكي، وهو ما يزيد المخاوف من إمكانية توجيهه لخدمة أجندات سياسية أو استخباراتية.
ماذا بعد التمديد؟
يمثل تاريخ 17 سبتمبر 2025 محطة حاسمة في مستقبل “تيك توك” داخل الولايات المتحدة. فإما أن تنجح “بايت دانس” في إتمام الصفقة وتسليم السيطرة لمستثمرين أمريكيين، أو تواجه الشركة حظرًا رسميًا داخل إحدى أكبر أسواقها عالميًا.
وفي هذا السياق، تسود حالة من الترقب والقلق بين المستخدمين والمستثمرين، خاصة مع تصاعد التوترات الأمريكية الصينية على خلفية ملفات أخرى مثل التجارة، والتجسس التكنولوجي، والصراع في بحر الصين الجنوبي.
تظل تيك توك بين مطرقة القرارات السياسية الأمريكية وسندان السياسات الصينية الصارمة، بينما تراقب الملايين حول العالم تطورات المشهد، لما له من تأثير مباشر على مستقبل الإنترنت المفتوح والتجارة الرقمية.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، لا تبدو الأيام القادمة سهلة على “بايت دانس”، لكن التمديد الثالث ربما يمثل فرصة أخيرة لتجنب الصدام الكامل، وإنقاذ واحدة من أنجح قصص التكنولوجيا في العصر الحديث من الانهيار داخل السوق الأمريكي.