ترامب يصعد النزاع التجاري مع البرازيل بفرض رسوم 50% ويشعل الجدل . في قرار أثار موجة من الجدل داخل الأوساط السياسية والاقتصادية، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مساء الأربعاء، فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على معظم السلع المستوردة من البرازيل، في خطوة فُهمت على نطاق واسع بأنها تصعيد سياسي له أبعاد اقتصادية، وُصفت بأنها رد مباشر على ما أسماه ترامب بـ”حملة ممنهجة” تستهدف الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو.
قرار مفاجئ مع إعفاءات جزئية
ورغم أن القرار تضمن نسبة مرتفعة من الرسوم الجمركية قد تؤثر على قطاعات واسعة في البرازيل، فقد تضمن إعفاءات محددة لبعض السلع الحيوية والاستراتيجية، من بينها منتجات الطيران والطاقة وعصير البرتقال، وهو ما خفف نسبيًا من حدة الصدمة الأولى التي أعقبت الإعلان.
وقد استقبلت الأوساط السياسية في العاصمة البرازيلية برازيليا القرار بمزيج من الترحيب الحذر والارتياح المشروط، خاصة في ظل الجهود التي بذلتها الحكومة البرازيلية طيلة الأسابيع الماضية منذ إعلان ترامب عن نيته فرض رسوم، سعيًا لتقليل الخسائر المحتملة وحماية كبار المصدرين.
ارتياح نسبي في السوق.. وانتعاش لبعض الأسهم
من جانبها، شهدت أسواق المال البرازيلية حالة من التفاؤل الحذر، حيث سجلت أسهم شركات كبرى ارتفاعًا ملحوظًا، أبرزها سهم شركة “إمبراير” لصناعة الطائرات، و**”سوزانو”** المتخصصة في صناعة لب الخشب. ووفقًا لوكالة “رويترز”، فإن هذا الارتفاع جاء مدفوعًا باستثناء منتجات هذه الشركات من الرسوم الجمركية الجديدة.
وفي تصريحات للصحفيين، قال وزير الخزانة البرازيلي روجيه سيرون:
“لقد تمكّنا من تفادي السيناريو الأسوأ. النتائج النهائية للقرار أقل ضررًا مما كنا نتوقع”.
وبحسب الوثيقة الرسمية الصادرة عن البيت الأبيض، من المقرر أن تدخل هذه الرسوم الجديدة حيز التنفيذ في 6 أغسطس 2025، أي بعد تأجيلها لمدة 5 أيام مقارنة بالتاريخ الأولي المعلن مسبقًا (1 أغسطس).
أبعاد سياسية واضحة
من اللافت في قرار ترامب، كما ورد في البيان الرسمي الأمريكي، أن الرسوم الجديدة جاءت مترافقة مع إشارات سياسية مباشرة؛ إذ تم الربط بينها وبين الإجراءات القضائية الجارية في البرازيل ضد الرئيس السابق جايير بولسونارو، والمتهم من قبل جهات قضائية بالتخطيط لانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2022.
ولم يكتف القرار بفرض رسوم على السلع، بل نص أيضًا على فرض عقوبات مباشرة على قاضٍ بارز بالمحكمة العليا البرازيلية، تتهمه الإدارة الأمريكية السابقة بالتورط في الاعتقالات التعسفية وتقييد حرية التعبير، في موقف يعكس حجم التوتر السياسي بين الجانبين.
السلع المعفاة من الرسوم الجمركية
ورغم الطبيعة العقابية للقرار، فقد تضمنت الوثائق الرسمية الأمريكية قائمة بـ السلع المستثناة من الرسوم، أبرزها:
الطائرات المدنية
الحديد الزهر والمعادن الثمينة
لب الخشب ومنتجات الطاقة
الأسمدة ومشتقاتها
وتعكس هذه الاستثناءات -بحسب محللين- توازنًا دقيقًا بين المواقف السياسية والضغوط الاقتصادية.
ضغوط داخلية على إدارة ترامب
علق رافائيل فافيتي، الشريك في شركة “فاتو إنتليجنسيا بوليتيكا” البرازيلية للاستشارات، قائلاً إن هذه الإعفاءات لم تأتِ نتيجة تراجع سياسي، بل جاءت استجابة مباشرة لضغوط كبيرة من جانب الشركات الأمريكية التي تعتمد في صناعتها على سلاسل التوريد المرتبطة بالبرازيل.
وأشار فافيتي إلى أن الدبلوماسية البرازيلية نجحت في تحفيز هذه الشركات على ممارسة ضغط فعّال على صنّاع القرار في واشنطن، عبر توضيح حجم الأضرار الاقتصادية التي قد تتكبدها القطاعات الإنتاجية الأمريكية.
مفاوضات مرتقبة بين الجانبين
بدوره، أعلن وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا أنه التقى نظيره الأمريكي ماركو روبيو مؤخرًا، وأبلغه بأن بلاده على استعداد للدخول في مفاوضات موسعة بشأن الرسوم الجمركية، في محاولة لاحتواء التوتر وفتح قنوات تواصل رسمية، خاصة بعد انقطاعها منذ يونيو الماضي.
نظرة حذرة: هل الاحتفال سابق لأوانه؟
رغم المؤشرات الإيجابية التي حملها قرار الإعفاء الجزئي، إلا أن وزير التجارة البرازيلي السابق، ويلبر بارال، دعا إلى الحذر، مؤكدًا أن الوقت لا يزال مبكرًا على الاحتفال، مشيرًا إلى أن البرازيل تُصدّر نحو 3000 سلعة مختلفة إلى السوق الأمريكية، وبالتالي فإن غالبية هذه السلع لا تزال خاضعة للرسوم.
وبحسب تقرير تحليلي لغرفة التجارة الأمريكية في البرازيل، فإن الإعفاءات شملت فقط حوالي 700 منتج من إجمالي الصادرات البرازيلية، أي ما يمثل 43.4% فقط من القيمة الإجمالية.
ورغم الضرر الجزئي، فقد حملت التطورات بعض الأخبار الجيدة لبعض القطاعات:
أعلنت مجموعة “آي بي بي” المعنية بالنفط والطاقة عن استئناف شحناتها للسوق الأمريكية.
كما أكدت مجموعة “إبرام” المختصة بقطاع التعدين أن حوالي 75% من صادراتها تم إعفاؤها من الرسوم الجديدة.
لكن في المقابل، لم تُعفَ منتجات رئيسية مثل لحوم البقر والقهوة، وهما من أعمدة الصادرات البرازيلية. وقد أبدت رابطة مصدري القهوة البرازيلية “سيكافيه” امتعاضها من القرار، وأعلنت عزمها مواصلة الضغط لإدراج القهوة ضمن قائمة السلع المعفاة خلال المرحلة المقبلة.
يمثل قرار ترامب الأخير أكثر من مجرد سياسة تجارية، فهو رسالة سياسية بامتياز، تعكس التداخل بين السياسة والاقتصاد في القرارات الدولية. وبينما يحاول الجانبان البرازيلي والأمريكي الحفاظ على مسار العلاقة التجارية، فإن الكثير من المراقبين يرون أن المرحلة المقبلة مرشحة لمزيد من التوترات والتقلبات، لا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واحتمال تصاعد الخطاب الشعبوي والسيادي في كلا البلدين.