5
تخفيض الفيدرالي وتراجع التضخم ماذا سيحدث لأسعار الفائدة في الاجتماع المقبل؟ من المنتظر أن تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري اجتماعها الثامن والأخير لعام 2024، يوم الخميس المقبل، لمراجعة أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، وهي خطوة ينتظرها الكثيرون في ضوء الأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية.
كما كان الحال في الاجتماعات السابقة، سيُناقش أعضاء اللجنة العديد من العوامل المؤثرة على الوضع الاقتصادي، خاصة فيما يتعلق بمعدلات التضخم وآثاره على الاستقرار النقدي في البلاد.
في الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية، قررت اللجنة الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية عند مستويات مرتفعة. حيث ثبت سعر عائد الإيداع لليلة واحدة عند 27.25%، وسعر الإقراض لليلة واحدة عند 28.25%، في حين تم الإبقاء على سعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.75%.
كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75%، وهو ما يعد قرارًا ثابتًا للمرة الخامسة على التوالي. تلك القرارات كانت استجابة لضغوط التضخم التي تعيشها مصر في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، حيث يسعى البنك المركزي إلى ضبط التضخم والمحافظة على الاستقرار النقدي.
وتأتي هذه القرارات بالتزامن مع تخفيض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس الأسبوع الماضي، وهو ما قد يكون له تأثير غير مباشر على قرارات البنك المركزي المصري في المستقبل القريب، بالنظر إلى الروابط المالية والاقتصادية بين مصر والولايات المتحدة، وتأثيرات السياسة النقدية الأمريكية على الأسواق العالمية، بما في ذلك الأسواق الناشئة مثل مصر.
أما بالنسبة للمعدل السنوي للتضخم الأساسي في مصر، فقد شهد تراجعًا طفيفًا في نوفمبر 2024، حيث سجل 23.7% مقارنةً بـ 24.4% في أكتوبر من نفس العام. في حين تراجع أيضًا معدل التضخم العام في الحضر على أساس سنوي إلى 25.5% في نوفمبر 2024 مقابل 26.5% في أكتوبر 2024، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وعلى الرغم من هذا التراجع، فإن التضخم ما يزال مرتفعًا عن المعدلات المستهدفة، مما يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد المصري في الوقت الراهن.
يُذكر أن البنك المركزي قد رفع أسعار الفائدة بمعدل 800 نقطة أساس منذ بداية عام 2024. هذه الزيادة في أسعار الفائدة كانت تستهدف مكافحة التضخم المرتفع، وقد تضمنت زيادات كبيرة في الاجتماعات الاستثنائية التي عُقدت في فبراير ومارس من العام نفسه، حيث ارتفعت الفائدة بمقدار 200 نقطة في فبراير، و600 نقطة في مارس.
هذه الزيادات كانت ضرورية لمواجهة التحديات الاقتصادية، بما في ذلك التضخم، ولكن يبقى السؤال حول ما إذا كان البنك المركزي سيواصل هذه السياسة التشديدية أم أنه سيتجه إلى تخفيض الفائدة في وقت لاحق.
مراقبة التضخم:
تشير آية زهير، رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال، إلى أن البنك المركزي المصري سيواصل مراقبة مؤشرات التضخم بحذر قبل اتخاذ أي قرار بشأن تعديل أسعار الفائدة. وتؤكد زهير أن البنك المركزي يشترط أن يكون الانخفاض في التضخم مستدامًا وليس مؤقتًا. لذلك، تتوقع زهير أن يبقى سعر الفائدة ثابتًا في الاجتماع المقبل، مع إمكانية خفضه تدريجيًا في الربع الأول من العام المقبل، شريطة أن يستمر التضخم في التراجع بمعدل ثابت وآمن.
في سياق مشابه، يتوقع محمد حسن، العضو المنتدب لشركة ألفا لإدارة الاستثمارات المالية، أن يقرر البنك المركزي الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية، وهو نفس التوقع الذي تشاركه زهير.
كما أشار حسن إلى أن البنك المركزي اتخذ خطوات أخرى لمواجهة التضخم بخلاف رفع أسعار الفائدة، مثل سحب السيولة من السوق عبر الودائع التي يتم سحبها أسبوعيًا من البنوك في عطاءات السوق المفتوحة. وتوقع حسن أن يتم خفض سعر الفائدة في المستقبل القريب بعد استقرار معدلات التضخم، مع احتمالية إنهاء سياسة التشديد النقدي في الربع الأول من العام المقبل.
جذب الاستثمارات يتطلب التثبيت:
من جهته، يعتقد الخبير الاقتصادي محمد بدرة أن البنك المركزي المصري سيظل ثابتًا على سياسة تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل، مع إمكانية تخفيضها تدريجيًا مع بداية الربع الأول من العام 2025.
ويرجع بدرة توقعاته إلى استمرار ارتفاع معدلات التضخم، فضلاً عن رغبة البنك المركزي في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السوق المصري. في الوقت نفسه، يرى أن البنك المركزي قد يواجه ضغوطًا كبيرة للتفاعل مع السياسات النقدية العالمية، خاصة مع الظروف الاقتصادية التي تشهدها العديد من الاقتصادات الكبرى، مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
تحديات متوازنة:
أما محمد عبد العال، الخبير المصرفي، فيرى أن البنك المركزي المصري يواجه صعوبة في تحقيق التوازن بين دعم النمو الاقتصادي من خلال خفض أسعار الفائدة وبين ضرورة السيطرة على التضخم المرتفع.
واعتبر عبد العال أن البنك المركزي سيواصل الحفاظ على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية حتى يتأكد من أن معدلات التضخم في طريقها للانخفاض بشكل مستدام. في حال استمر التضخم في الانخفاض بصورة ثابتة، فقد يكون من الممكن تقليص أسعار الفائدة بشكل تدريجي، لكن في الوقت الراهن يظل التضخم مرتفعًا بشكل يتطلب اتخاذ تدابير صارمة للحد منه.
التوجهات المستقبلية:
من المتوقع أن تستمر المناقشات بشأن سعر الفائدة في مصر طوال العام المقبل، خاصة مع التقلبات الاقتصادية والتحديات المرتبطة بتراجع التضخم وضبط استقرار الاقتصاد. وعلى الرغم من أن البنك المركزي يبذل جهودًا مستمرة لمكافحة التضخم وضبط الأسواق المالية، إلا أن السياسات النقدية ستظل تتأثر بعوامل اقتصادية خارجية، مثل تحركات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والأسواق العالمية.
في الختام، يظل قرار البنك المركزي المصري بشأن أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل محط أنظار الأسواق والمستثمرين، حيث يعتمد هذا القرار على استراتيجيات متوازنة بين مكافحة التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي في مصر.