بشار الأسد في رحلة غير معلومة الوجهة بعد مغادرته سوريا . فيما مضى، قضى بشار الأسد نحو 24 عامًا في حكم سوريا، حيث كانت السنوات الأخيرة مليئة بالصراعات والمعارك التي غيرت المشهد السياسي في البلاد. وتحديدًا، كانت السنوات الـ13 الأخيرة هي الأصعب في مسيرته السياسية، خاصة بعد بداية الاحتجاجات المسلحة عام 2011 التي تحولت لاحقًا إلى حرب مدمرة أودت بالبلاد إلى أزمة خانقة.
خلال هذه الفترة، واجه الأسد تحديات كبيرة حيث تعرضت حكومته لتهديدات وجودية، وكانت قوة المعارضة المسلحة التي نمت سريعًا في عدة مناطق تهدد باستمرار حكمه. ولكن، لم تكن هذه المرة الأولى التي يواجه فيها الرئيس السوري تحديات صعبة، حيث تدخلت القوى الحليفة، خاصة إيران وروسيا، لإنقاذه من السقوط في أكثر من مناسبة، ونجحوا في تقديم الدعم العسكري والدبلوماسي الذي ساعده على الصمود، على الرغم من الانهيار الكبير في الوضع العسكري والاقتصادي.
وفقًا لوكالة “أسوشيتيد برس” الأمريكية، نقلًا عن مصادر سورية موثوقة، أُفيد بمغادرة الرئيس بشار الأسد سوريا في صباح يوم الأحد 8 ديسمبر 2024 على متن رحلة جوية إلى وجهة غير معروفة، مما أثار تساؤلات حول مستقبل النظام السوري والقيادة الحالية. هذا الخبر، الذي جاء في وقت حساس، قد يكون بمثابة نقطة تحول جديدة في تاريخ البلاد المضطرب، حيث أصبح مصير الأسد غير مؤكد بعد سنوات من الصراع المستمر.
وبعد 13 عامًا من القتال في الساحة السورية، أصبح الوضع العسكري في سوريا أكثر صعوبة، حيث تعرضت قوات الجيش السوري لعديد من الضغوطات في مواجهة المسلحين الذين اقتربوا مؤخرًا من العاصمة دمشق. مع تراجع الدعم الدولي وابتعاد الحلفاء الرئيسيين عن تقديم الدعم كما كان في السابق، بدأ الوضع يزداد تعقيدًا.
من جهة أخرى، ظهرت عدة تقارير تشير إلى انشقاقات واسعة بين صفوف القوات السورية، مما يثير تساؤلات حول قدرة النظام على الاستمرار في حكم البلاد في ظل هذه الظروف.
وبينما تتوالى التطورات العسكرية على الأرض، تشير التقارير إلى أن سوريا دخلت مرحلة جديدة من الغموض السياسي. في هذه الأثناء، دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، مع تأزم الوضع، إلى “انتقال سياسي منظم” لضمان استقرار البلاد، بينما أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى صعوبة التنبؤ بمستقبل سوريا في ظل هذه الظروف المتقلبة.
وفي هذا السياق، أفاد رئيس الوزراء السوري محمد غازي جلالي في تصريحاته الأخيرة، والتي جاءت عبر بيان مصور، بأن الحكومة السورية لا تزال مستعدة للقيام بخطوات تهدف إلى وقف الأزمة، بما في ذلك “مد يدها” للمعارضة وتسليم مهامها لحكومة انتقالية، إلا أن هذه التصريحات تبدو أقرب إلى محاولة للتهدئة أمام التطورات المتسارعة على الأرض.
جلالي أيضًا دعا المواطنين إلى عدم تخريب الممتلكات العامة، مشددًا على ضرورة الحفاظ على وحدة البلاد. ومع ذلك، فقد بدت تصريحات رئيس الحكومة بعيدًا عن التأثير الفعلي في التغيرات الميدانية، حيث استمرت الاحتجاجات والتظاهرات في مناطق عدة، فيما كان بعض المدنيين يطالبون بتغييرات جذرية.
من جهة أخرى، مع اقتراب المسلحين من ضواحي العاصمة دمشق، تأكد تدهور الوضع العسكري للنظام السوري، حيث أظهرت التقارير انعدام المقاومة من قبل القوات السورية التي بدت غير قادرة على التصدي للزحف العسكري للمعارضين.
هذا الانهيار المفاجئ دفع العديد من المراقبين إلى التأكيد على أن الأسد أصبح خارج “لعبة التغيرات” في سوريا، خصوصًا بعد سنوات من محاولات استعادة السيطرة على المناطق التي فقدتها الحكومة.
ويعود جزء من هذا التطور إلى التقاء عوامل جيوسياسية مؤثرة على الساحة الدولية. حيث لعبت الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022 دورًا كبيرًا في تحولات الشرق الأوسط، وهو ما أثر بشكل مباشر على التوازنات العسكرية في سوريا. كما أدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023 إلى تحركات فصائل مسلحة داخل الأراضي السورية، مما ساهم في زيادة الضغط على حكومة الأسد.
وفي ظل هذه المتغيرات الدولية والإقليمية، أصبحت القوات السورية تبدو وكأنها اختفت من الساحة، مع غياب كبير لأية مقاومة تذكر من قبل الجيش. كما انتشرت التقارير التي تشير إلى انشقاقات داخل الجيش، وهو ما يعكس مستوى الضعف الذي أصاب النظام السوري. هذه التطورات تثير القلق حول مستقبل سوريا في ظل تصاعد نفوذ القوى الخارجية وغياب رؤية واضحة للانتقال السياسي في البلاد.
في الختام، يبقى السؤال الأهم في هذه المرحلة: ماذا سيحدث بعد مغادرة بشار الأسد لسوريا؟ هل هي بداية لفصل جديد في تاريخ البلاد؟ أم أن النهاية باتت أقرب مما يتصور الجميع؟