باشينيان يحدد ملامح “أرمينيا الحقيقية” في المستقبل القريب . في خطابه بمناسبة العام الجديد، أعلن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان عن رؤيته لأرمينيا في المستقبل، حيث قدم مفهوم “أرمينيا الحقيقية” كأيديولوجية جديدة تهدف إلى ضمان السلام والرفاهية في البلاد.
وقد لاقت هذه الفكرة اهتمامًا واسعًا في الأوساط السياسية والجماهيرية، إذ يرى باشينيان أن “أرمينيا الحقيقية” تمثل الأساس الذي تستند إليه “أجندة السلام” التي تنوي الحكومة الأرمينية تنفيذها في السنوات المقبلة.
ورأى رئيس الوزراء أن هذه الأيديولوجية ليست مجرد مبادئ سياسية أو اقتصادية، بل هي رؤية شاملة تهدف إلى توجيه حياة المواطنين وتعزيز روح الانتماء إلى الدولة، كما أنها تسعى إلى تحقيق توازن بين تطلعات الشعب الأرمني وبين استقرار الدولة ومصالحها.
أرمينيا الحقيقية: بين الأيديولوجيا والرؤية المستقبلية
في حديثه، أكد باشينيان أن “أرمينيا الحقيقية” هي أيديولوجية تتجاوز حدود الحكومة الحالية أو الأغلبية البرلمانية. وهو يرى أن هذه الرؤية يجب أن تكون مفهومة ومتبناة من قبل جميع المواطنين في أرمينيا، لأن ما تسعى إليه هو إرساء قيم مشتركة تضمن للمواطنين حياة أفضل وأكثر استقرارًا.
وتتمحور هذه الأيديولوجية حول فكرة أساسية وهي أن الدولة هي أداة لضمان الأمن والرفاهية والسعادة لشعبها. بمعنى آخر، يجب أن تكون الدولة مسؤولة عن تقديم الظروف المواتية التي تساهم في رفاهية المواطن وتساعده في الحفاظ على هويته الوطنية.
تعتبر “أرمينيا الحقيقية” نقطة تحول في تاريخ البلاد من وجهة نظر باشينيان، حيث يرى أن هذه الأيديولوجية ستغير طريقة تفكير المواطنين حول دور الدولة في حياتهم اليومية. فوفقًا له، فإن الهدف الأساسي من الدولة هو ضمان استقرار المواطنين داخل حدودهم الجغرافية وتوفير بيئة يستطيع فيها المواطنون العيش بسلام وأمان.
بعيدًا عن النزاعات والأزمات التي مرت بها البلاد في الماضي. أرمينيا الحقيقية، بحسب باشينيان، ليست دولة تبحث عن التوسع الإقليمي أو تحقيق مكاسب سياسية عبر الحروب، بل هي دولة تركز على بناء الداخل وتعزيز القدرة الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها.
الربط بين “أرمينيا الحقيقية” وأرمينيا الاشتراكية السوفيتية
من أبرز النقاط التي أشار إليها باشينيان في خطابه هي المقارنة بين “أرمينيا الحقيقية” وأرمينيا التاريخية أو حتى أرمينيا الاشتراكية السوفيتية. في هذا السياق، تحدث عن “أرمينيا الحقيقية” داخل حدود جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفيتية، مشيرًا إلى أنها تمثل الأساس الأيديولوجي الجديد الذي يجب أن يعتمد عليه الشعب الأرمني في مواجهاته المستقبلية. وبذلك، يروج باشينيان لفكرة أن الدولة يجب أن تركز على حدودها الحالية، دون السعي وراء توسعات إقليمية قد تؤدي إلى تصعيد التوترات مع الدول المجاورة.
الحديث عن “أرمينيا الحقيقية” ضمن هذا السياق يهدف إلى تجاوز الفكر التوسعي الذي كان سائداً في فترات سابقة من تاريخ أرمينيا، حيث كانت تسعى العديد من الأطراف إلى توسيع حدود البلاد وتحقيق أهداف قومية من خلال النزاعات الإقليمية. بينما يركز باشينيان اليوم على فكرة مفادها أن أرمينيا بحاجة إلى التركيز على قوتها الداخلية ورفاهية شعبها، وهو ما يعني في نهاية المطاف أن الدولة لا يجب أن تكون ميدانا للنضال أو ساحة للتوسع الإقليمي.
أيديولوجية السعادة والرفاهية: الطريق نحو المستقبل
من خلال أيديولوجية “أرمينيا الحقيقية”، يسعى باشينيان إلى تحويل دور الدولة في حياة المواطن الأرميني. ففي تصريحات سابقة له في يونيو، أكد باشينيان أن الناس لم يعودوا يرغبون في القتال أو التضحية من أجل قضايا خارجية أو نزاعات إقليمية، بل أصبحوا يطلبون حياة بسيطة ومستقرة. ولذلك، فإن الحكومة الأرمنية تحت قيادته تحرص على توفير الظروف اللازمة للعيش برفاهية وأمان، وهي ليست مجرد وسيلة لتحقيق مصالح سياسية أو عسكرية.
وأوضح باشينيان أن الدولة، في إطار هذه الأيديولوجية الجديدة، يجب أن تكون أداة تضمن السعادة والرفاهية للمواطنين، وليس وسيلة للقتال أو النزاع. من خلال هذا الفهم، يسعى باشينيان إلى بناء دولة حديثة قادرة على تلبية احتياجات شعبها الاقتصادية والاجتماعية، وذلك عبر سياسة مستدامة تعمل على تطوير التعليم والصحة والبنية التحتية.
تغيير الاتجاهات السياسية والاجتماعية: أرمينيا النموذج
من خلال هذه الرؤية الشاملة، يأمل باشينيان أن تتحول أرمينيا إلى دولة حديثة تسعى لتحقيق الأمن والرفاهية لمواطنيها، وتضمن لهم حياة أفضل وأكثر استقرارًا. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها أرمينيا على الصعيدين الداخلي والخارجي، إلا أن باشينيان يرى أن “أرمينيا الحقيقية” ستساهم في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وسلمًا للبلاد.
في ظل التوترات السياسية والإقليمية التي شهدتها أرمينيا في السنوات الأخيرة، يبدو أن باشينيان يحاول صياغة إطار سياسي جديد يتجنب التصعيد والتورط في صراعات غير ضرورية. هذه الرؤية تهدف إلى تغيير الاتجاهات السياسية والاجتماعية في أرمينيا، بحيث تتحول الدولة إلى كيان يعزز رفاهية شعبه ويضع المواطن في قلب أولويات السياسة العامة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، يسعى باشينيان إلى أن يكون المواطن الأرميني هو الأساس في عملية صنع القرار. ويعتقد أن الدولة يجب أن تضع مصالح المواطنين في المقام الأول، بحيث تضمن لهم حياة كريمة ومزدهرة دون الخوض في نزاعات مستمرة. لذلك، يشجع على الحوار الداخلي بين المواطنين وبين الحكومة من أجل الوصول إلى توافق يضمن مصلحة الجميع.
التحديات الداخلية والخارجية: أرمينيا بين الحلم والواقع
أرمينيا اليوم تواجه العديد من التحديات السياسية والاقتصادية، سواء من حيث الاستقرار الداخلي أو في علاقاتها مع جيرانها. ورغم أن “أرمينيا الحقيقية” التي يروج لها باشينيان تحمل في طياتها فكرة التفاؤل والاستقرار، إلا أن الواقع السياسي لا يزال معقدًا. فعلى الصعيد الداخلي، تواجه البلاد العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تتطلب إصلاحات جذرية وتعاونًا مستمرًا بين الحكومة والمواطنين.
أما على الصعيد الخارجي، فالتوترات مع جيران أرمينيا، خصوصًا أذربيجان وتركيا، تمثل تحديات مستمرة تؤثر على الأمن الإقليمي. ورغم ذلك، يرى باشينيان أن “أرمينيا الحقيقية” ستستطيع التغلب على هذه التحديات عبر استراتيجيات سياسية دبلوماسية تهدف إلى تقليل التصعيد وضمان التعايش السلمي مع دول الجوار.
نحو أرمينيا جديدة
“أرمينيا الحقيقية” التي يروج لها باشينيان ليست مجرد أيديولوجية سياسية، بل هي مشروع شامل يهدف إلى تحسين حياة المواطن الأرمني وبناء دولة حديثة وقوية. ورغم أن الطريق نحو تحقيق هذه الرؤية قد يكون طويلاً ومليئًا بالتحديات، إلا أن باشينيان يؤمن أن أرمينيا قادرة على أن تصبح نموذجًا لدولة تركز على رفاهية شعبها، بعيدًا عن الحروب والتوسع الإقليمي.