وتأتي هذه التراجعات في ظل تقلبات تشهدها أسعار الطاقة عالميًا منذ بداية الربع الثاني من عام 2025، في وقت تحاول فيه الدول المصدرة ضبط الإيقاع بين الإنتاج والاستهلاك، وسط تحديات جيوسياسية واقتصادية معقدة.
أسعار النفط اليوم في الأسواق العالمية
بحلول الساعة 18:05 بتوقيت غرينتش، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت القياسي بمقدار 40 سنتًا، بما يعادل 0.6%، ليصل سعر البرميل إلى 66.23 دولارًا، بينما انخفض خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بمقدار 39 سنتًا أو ما يعادل 0.61% ليسجل 63.28 دولارًا للبرميل.
ويُعد هذا الانخفاض استمرارًا لموجة من الضغوط التي تتعرض لها أسعار الخام، بعد انتعاش محدود شهدته الجلسة السابقة بدعم من بعض الأخبار الإيجابية المتعلقة بالتجارة العالمية، قبل أن تعاود الأسعار الهبوط مع صدور البيانات الأمريكية الجديدة.
ارتفاع غير متوقع في مخزونات النفط الأمريكية
البيانات التي أصدرتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) كانت السبب المباشر في هذا الانخفاض، حيث أظهرت زيادة في مخزونات الخام بمقدار 3.5 مليون برميل خلال الأسبوع الماضي، لتصل إلى نحو 441.8 مليون برميل، بينما كانت التقديرات تشير إلى انخفاض قدره 1.1 مليون برميل.
هذا التناقض الكبير بين التوقعات والنتائج الفعلية زاد من الضغوط على الأسواق، ورفع مستويات القلق بشأن توازن العرض والطلب، خاصة في ظل توقعات تباطؤ الطلب العالمي على الوقود مع اقتراب الصيف في نصف الكرة الشمالي، وانخفاض النشاط الصناعي في بعض المناطق الاقتصادية الكبرى.
بيانات معهد البترول الأمريكي تضيف المزيد من الضغوط
ولم تكن إدارة معلومات الطاقة وحدها من قدمت إشارات سلبية، حيث سبقتها بيانات معهد البترول الأمريكي (API)، والتي أظهرت أيضًا زيادة أكبر في المخزونات بلغت 4.3 مليون برميل، وهو ما ساهم في تكريس الاتجاه الهبوطي للأسعار، ورفع المخاوف بشأن حجم المعروض في الأسواق الأمريكية – أحد أكبر المستهلكين والموردين عالميًا.
وتُعد هذه البيانات مؤشرًا قويًا لحالة السوق الأمريكية، التي تُستخدم كمقياس لتوقعات الأسعار على الصعيد العالمي. كما أنها تؤثر على سلوك المستثمرين في الأسواق الآجلة، حيث يدفع فائض المعروض إلى تقليل التوقعات حول ارتفاعات مستقبلية في الأسعار.
انتعاش محدود في الجلسة السابقة لم يصمد طويلاً
وكانت الأسواق قد شهدت انتعاشًا مؤقتًا في أسعار النفط خلال جلسة يوم الأربعاء، بعد أنباء عن خفض مؤقت للرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين لمدة 90 يومًا، في خطوة وصفها البعض بأنها بادرة تهدئة بين أكبر اقتصادين في العالم.
هذا القرار عزز من آمال السوق في عودة التجارة العالمية إلى مسارها الطبيعي، وهو ما كان من شأنه أن يدعم الطلب العالمي على الطاقة، لا سيما من الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم. لكن الأثر الإيجابي لهذا الخبر لم يصمد طويلاً أمام الضغوط التي فرضتها البيانات الأمريكية الجديدة.
أوبك تخفض توقعات نمو الإمدادات خارج أوبك+
في تطور آخر، أعلنت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عن خفض توقعاتها لنمو إنتاج النفط من خارج مجموعة أوبك+ خلال عام 2025. ورغم أن هذا الإعلان كان من شأنه دعم الأسعار، فإن استمرار دول أوبك+ في ضخ كميات كبيرة من النفط قد يؤدي إلى زيادة المعروض الكلي في الأسواق، مما يبقي الأسعار تحت الضغط.
وتحاول أوبك تحقيق توازن دقيق بين دعم الأسعار من جهة، والحفاظ على حصصها السوقية من جهة أخرى، وسط منافسة شرسة من منتجي النفط الصخري الأمريكي الذين يعتمدون على أسعار السوق المفتوحة لتحديد مستويات الإنتاج.
تحذيرات من مزيد من التراجع في أسعار النفط
وفي تصريح مهم، حذر بوب يوجر، مدير عقود الطاقة الآجلة في شركة “ميزوهو” للاستشارات المالية، من أن “الارتفاع المستمر في المخزونات، بالتزامن مع مؤشرات ضعف الطلب العالمي، قد يدفع بأسعار النفط نحو مزيد من الانخفاض في الفترة المقبلة، ما لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة لضبط التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.”
وأضاف يوجر أن السوق في وضع “حساس”، وأي إشارات سلبية جديدة – سواء من بيانات المخزونات أو من مؤشرات اقتصادية صينية وأوروبية – قد تُعجل بموجة هبوطية جديدة.
نظرة مستقبلية: هل تتماسك الأسعار؟
تشير التوقعات إلى أن أسعار النفط قد تظل متقلبة خلال الأسابيع المقبلة، في ظل التحديات المتعلقة بتباطؤ الطلب العالمي، واستمرار الشكوك حول وتيرة النمو الاقتصادي في عدد من الاقتصادات الكبرى. وسيكون لأي قرارات جديدة تصدر عن أوبك+ أو مؤشرات اقتصادية من الولايات المتحدة والصين تأثير مباشر على مسار الأسعار.
كما ستراقب الأسواق عن كثب أي تحركات في السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتي تؤثر بدورها على أسعار السلع الأساسية ومن بينها النفط.