ارتفاع الدولار الأمريكي
شهد الدولار الأمريكي صعودًا ملحوظًا، حيث ارتفع بشكل كبير مقابل العملات الرئيسية الأخرى. من أبرز هذه العملات، كان اليورو الذي انخفض إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من عامين. وكذلك الفرنك السويسري، الذي يعتبر عادة ملاذًا آمنًا في أوقات الأزمات الاقتصادية، تراجع أيضًا إلى أدنى مستوى له منذ شهر مايو الماضي. هذا التراجع في قيمة اليورو والفرنك السويسري يظهر بشكل واضح تأثر الأسواق العالمية بسياسات ترامب التجارية.
ردود فعل الدول الكبرى
على الفور، ردت كندا والمكسيك، اللتان تعدان أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، بالإعلان عن اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب. في الوقت ذاته، أعلنت الصين عن نيتها الطعن في هذه الرسوم عبر منظمة التجارة العالمية، ما يعكس تصاعد التوترات التجارية بين هذه الدول الكبرى.
وأشار توني سيكامور، المحلل في IG، إلى أن المفاجأة الكبرى كانت في سرعة رد فعل كندا والمكسيك، متوقعًا أن تحذو دول أخرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي حذوهم، مما قد يؤدي إلى انكماش حاد في حركة التجارة العالمية. كما أكد سيكامور على أن التاريخ المحدد لبدء الرسوم الجمركية في 4 فبراير كان أقرب بكثير مما كان يتوقعه الكثيرون، مما ساهم في زيادة عدم الاستقرار في الأسواق العالمية.
تأثير الرسوم الجمركية على السوق العالمية
في سياق متصل، فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على كندا والمكسيك بنسبة 25%، بينما تم فرض ضريبة 10% على الصين، والتي وصفت بأنها ضرورية لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات. هذه الخطوات كانت متوقعة من قبل العديد من المحللين، رغم أن بعضهم كان يعتقد أن مثل هذه الإجراءات لن تُنفذ إلا في وقت لاحق من العام 2025 بعد مفاوضات طويلة مع الشركاء التجاريين.
أسعار الفائدة الفيدرالية
تقلصت التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، حيث تم تقليص هذه التوقعات بحوالي 6 نقاط أساس. كانت العقود الآجلة تشير إلى أن هناك احتمالية بنسبة 54% لخفضين في أسعار الفائدة هذا العام، و44% لخفض واحد فقط بعد إعلان رسوم ترامب الجمركية.
في الوقت ذاته، ارتفع الدولار الأمريكي بنسبة 0.4% ليصل إلى 7.3462 يوان في الأسواق الخارجية، بعد أن وصل في وقت سابق إلى مستوى قياسي بلغ 7.3765 يوان، مما يعكس الاستجابة المباشرة للأسواق لقرار فرض الرسوم.
التأثيرات على العملات الأخرى
على صعيد العملات الأخرى، تراجع البيزو المكسيكي إلى أدنى مستوى له في ما يقرب من ثلاث سنوات، حيث بلغ سعر الصرف 21.2882 للدولار الأمريكي، ما يمثل انخفاضًا كبيرًا بنسبة 2.7% مقارنة باليوم السابق. كما انخفض الدولار الكندي إلى 1.4755 دولار كندي، وهو المستوى الأدنى الذي لم نشهده منذ عام 2003.
في نفس الوقت، سجل الدولار الأسترالي أدنى مستوى له في خمس سنوات، بينما انخفض الدولار النيوزيلندي إلى أدنى مستوى له منذ أكتوبر 2022. هذا الانخفاض الحاد في قيمة العملات الرئيسية يعكس مدى تأثير السياسات التجارية الأمريكية على استقرار أسواق العملات العالمية.
اليورو والمستقبل الاقتصادي
أما بالنسبة لليورو، فقد سجل انخفاضًا بنسبة 2.3% ليصل إلى 1.0125 دولار أمريكي، وهو أدنى مستوى له منذ نوفمبر 2022. يأتي هذا الانخفاض في وقت يستعد فيه المستثمرون لتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على الدول الأوروبية، حيث تراجع اليورو أيضًا في وقت لاحق بنسبة 1.25% ليصل إلى 1.02325 دولار.
على الصعيد الاقتصادي الكلي، أظهرت بيانات مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) في الولايات المتحدة ارتفاعًا بنسبة 0.3% في الشهر الماضي، وهو أكبر زيادة منذ أبريل الماضي. هذا الارتفاع في الإنفاق الاستهلاكي يشير إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يتأخر في اتخاذ أي خطوات بشأن خفض أسعار الفائدة في الوقت القريب، مما يزيد من الضغط على أسواق العملات.
التأثيرات المستقبلية
التصعيد المستمر في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الرئيسيين مثل كندا والمكسيك والصين قد يترتب عليه تأثيرات طويلة الأجل على أسواق العملات العالمية. في حال استمرت الولايات المتحدة في فرض الرسوم الجمركية على هذه الدول، فإن الاقتصاد العالمي قد يعاني من تباطؤ حاد في التجارة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم ونمو اقتصادي ضعيف في العديد من الأسواق.
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن تتأثر سلاسل التوريد العالمية بشكل كبير، مما يؤدي إلى اضطرابات في الشركات العالمية ويزيد من تكاليف الإنتاج، وهو ما سيؤثر في النهاية على الأسعار في الأسواق الاستهلاكية.
يمكن القول إن السياسات التجارية التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخاصة فيما يتعلق بفرض الرسوم الجمركية، تلعب دورًا كبيرًا في تحريك أسعار العملات العالمية، مما يعكس التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وبقية العالم. مع استمرار تأثير هذه السياسات، قد تواجه أسواق العملات تحديات جديدة، في حين يبقى الدولار الأمريكي في موقف قوي رغم الاضطرابات الحالية.