العقوبات الأمريكية تضع الجنائية الدولية أمام تحديات بسبب نتنياهو . أعرب مكتب جمعية الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية، الهيئة الرقابية الإدارية والتشريعية للمحكمة، يوم الخميس عن قلقه الشديد إزاء العقوبات الأمريكية التي تم فرضها على المحكمة.
ويأتي هذا القلق في سياق التصعيد الأخير من قبل الولايات المتحدة ضد المحكمة الجنائية الدولية، بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، على خلفية اتهامهما بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.
وفي بيان رسمي صادر عن المكتب، عبّر عن استيائه العميق من الإجراءات الأمريكية التي تستهدف المحكمة وأعضاءها، مشيرًا إلى أن هذه العقوبات لا تؤثر فقط على المحكمة نفسها، بل تمتد لتشمل الأشخاص والكيانات التي تدعم التحقيقات أو تتعاون مع المحكمة في قضايا مهمة.
وأضاف المكتب أن العقوبات المفروضة من شأنها أن تعيق سير التحقيقات الجارية، خاصة تلك المتعلقة بالحالات الحساسة، كما قد تضر بسلامة الضحايا والشهود الذين يتعاونون مع المحكمة، وقد تعرضهم لمخاطر إضافية نتيجة لتلك التدابير.
هذه التطورات تأتي في أعقاب تصويت مجلس النواب الأمريكي في وقت سابق من يناير، حيث تم إقرار “قانون مكافحة المحكمة غير الشرعية” الذي يسمح بفرض عقوبات على أي فرد أو كيان أجنبي يحقق مع مواطنين أمريكيين أو مواطنين من دول حليفة غير أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك إسرائيل، أو يقوم باعتقالهم أو احتجازهم أو محاكمتهم.
وقد لاقى مشروع القانون دعمًا كبيرًا من الأعضاء الجمهوريين في المجلس، بالإضافة إلى 45 عضوًا ديمقراطيًا، وهو ما يعكس التأييد القوي للحكومة الإسرائيلية في الكونغرس الأمريكي، بعد أن سيطر الجمهوريون على مجلس النواب.
وفي تعليق له، قال النائب براين ماست، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إن الولايات المتحدة تتبنى هذا القانون ردا على ما وصفه بـ “محكمة صورية” تسعى لاعتقال رئيس وزراء حليفة الولايات المتحدة إسرائيل، مؤكدًا أن أمريكا لن تقبل أن تكون محكمة الجنائية الدولية تهديدًا لسيادة إسرائيل.
من جانبها، أعربت المحكمة الجنائية الدولية عن قلقها من مشروع القانون، محذرة من أنه قد يحرم ضحايا الجرائم الكبرى من الحصول على العدالة، ويعطي رسالة سلبية للمجتمع الدولي حول الجهود المبذولة لتحقيق العدالة الجنائية الدولية. وقد شددت المحكمة على أهمية استقلاليتها في التحقيق مع أي شخص يتورط في جرائم دولية، بغض النظر عن جنسيته أو منصبه.
من جهة أخرى، كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، قد فرضت في عام 2020 عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية رداً على التحقيقات المتعلقة بمزاعم ارتكاب جرائم حرب في أفغانستان، شملت تعذيب مواطنين أمريكيين.
وبالرغم من أن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن قد رفعت هذه العقوبات في بداية ولايته، إلا أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في مايو الماضي، أظهرت استعداد الإدارة الأمريكية لفرض عقوبات جديدة على المحكمة بسبب طلبها إصدار مذكرات اعتقال بحق القادة الإسرائيليين، وهو ما أثار مزيدًا من التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والمحكمة.
ولا يمكن تجاهل أن هذه التصعيدات تؤثر بشكل كبير على عمل المحكمة الجنائية الدولية، حيث كانت قد تعرضت لهجوم واضح من قبل إدارة ترامب، التي كانت قد تجمدت حسابات المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك، فاتو بنسودا، بالإضافة إلى منعها من السفر إلى الولايات المتحدة. وهذه الإجراءات تأتي في إطار تصعيد السياسة الأمريكية ضد المحكمة التي تسعى لتحقيق العدالة في قضايا الجرائم الدولية، مثل تلك التي تشمل انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الحربية.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأبرز: كيف ستتطور الأمور في المستقبل؟ هل ستؤدي هذه العقوبات إلى تغيير جوهري في نهج المحكمة الجنائية الدولية في التعامل مع القضايا المتعلقة بإسرائيل والولايات المتحدة، أم أن المحكمة ستستمر في جهودها لتحقيق العدالة الجنائية الدولية؟ المؤكد أن هذه القضية ستظل محط اهتمام عالمي، وستسهم في تشكيل مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في مجال العدالة الجنائية.