العاصفة دانا تشل إسبانيا مياه جارفة وخسائر بشرية ومادية . تشهد إسبانيا منذ يوم الخميس موجة مناخية عنيفة غير مسبوقة، تمثلت في العاصفة “دانا” التي اجتاحت مناطق واسعة من البلاد، وتسببت في فيضانات جارفة ضربت الشمال والجنوب على حد سواء، مخلفةً وراءها دمارًا واسعًا، وتعطيلًا للبنية التحتية، وفقدان عدد من المواطنين في ظل ظروف مناخية متقلبة وخطرة.
العاصفة التي صُنفت على أنها واحدة من أقوى الظواهر الجوية التي مرت على البلاد خلال السنوات الأخيرة، جلبت معها أمطارًا غزيرة، وعواصف رعدية، وهطولات برد كثيفة، ما أدى إلى انهيارات أرضية في بعض المناطق، وجرف المياه لمساحات زراعية واسعة، إلى جانب تقطع الطرق وتعليق خدمات السكك الحديدية.
كارثة مناخية تضرب البلاد: مشاهد من الدمار والفوضى
مع استمرار تأثير العاصفة “دانا” على أنحاء متفرقة من إسبانيا، ارتفعت حدة التحذيرات من السلطات المحلية ووكالات الأرصاد الجوية، بعد أن فاضت الأنهار والمجاري المائية، وتحولت الشوارع في العديد من المدن إلى أنهار تجرف السيارات، وتغمر المنازل والمحلات التجارية.
في المناطق الشمالية من البلاد، وخاصة إقليم كتالونيا، كانت الأمطار شديدة الغزارة منذ صباح السبت، حيث وصلت كميات الهطول إلى معدلات قياسية لم تسجل منذ أكثر من عقد. وغمرت المياه بعض الأحياء السكنية، مما اضطر السلطات إلى إجلاء عشرات العائلات إلى مراكز إيواء مؤقتة.
أما في الجنوب، فقد كان الوضع لا يقل سوءًا، حيث اجتاحت الفيضانات مدنًا وبلدات في أقاليم مثل أراغون وقشتالة وليون، متسببة في خسائر جسيمة في المحاصيل الزراعية التي كانت في طور الحصاد، إضافة إلى تدمير طرق ريفية ومرافق عامة.
الفيضانات توقف وسائل النقل وتعطل الحياة اليومية
لم تقتصر آثار العاصفة “دانا” على المناطق الريفية، بل طالت أيضًا المدن الكبرى ومراكز الخدمات، حيث تم تعليق العديد من خدمات القطارات، خاصة في خطوط السكك الحديدية بين مدريد وبرشلونة، مما تسبب في فوضى مرورية واضطراب حركة التنقل بين الأقاليم.
كما أُغلقت عشرات الطرق السريعة والرئيسية بسبب الانهيارات الأرضية أو غمرها بالكامل بالمياه، مما دفع الشرطة والبلديات إلى إصدار تحذيرات عاجلة لسكان تلك المناطق لتجنب السفر إلا في حالات الطوارئ.
وفي تصريح لوكالة الأنباء الإسبانية “إيفي”، أكد مسؤولون محليون أن حجم الدمار فاق التوقعات، مشيرين إلى أن الفرق الهندسية تعمل على مدار الساعة لإعادة فتح الطرق واستعادة الخدمات الأساسية، لكن استمرار هطول الأمطار يعرقل جهود الإصلاح والتدخل السريع.
سقوط ضحايا ومفقودين.. والحصيلة الأولية في تصاعد
حتى اللحظة، لم تؤكد السلطات الإسبانية وقوع وفيات رسمية جراء العاصفة، إلا أن تقارير إعلامية تحدثت عن عدة حالات فقدان لأشخاص جرفتهم المياه في مناطق مختلفة، لا سيما في المناطق الجبلية أو القرى القريبة من الأنهار.
وتجري حالياً عمليات بحث وإنقاذ واسعة النطاق، تشارك فيها وحدات من الحماية المدنية، والجيش، والشرطة، مستخدمين القوارب والطائرات المسيرة لرصد العالقين والمفقودين. كما فُتحت خطوط ساخنة للتبليغ عن المفقودين، وتم تخصيص مراكز إيواء مؤقتة للمواطنين الذين فقدوا منازلهم أو لم يعد بإمكانهم العودة إليها بسبب الغمر المائي.
الزراعة في خطر: خسائر فادحة في المحاصيل والمزارع
من بين أكثر القطاعات المتضررة من العاصفة “دانا” كان القطاع الزراعي، إذ تسببت الفيضانات في إغراق آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، لا سيما في أقاليم الجنوب المعروفة بإنتاج الخضروات والفواكه والحبوب.
وذكرت تقارير صادرة عن جمعيات المزارعين أن العاصفة تسببت في تلف محاصيل الصيف بشكل شبه كامل، ما ينذر بأزمة اقتصادية لمزارعي هذه المناطق، وقد ينعكس على أسعار الغذاء خلال الأسابيع المقبلة. وأشار بعض المزارعين إلى أن الخسائر لم تقتصر على المحاصيل، بل شملت أيضًا الآلات الزراعية والبنية التحتية للمزارع.
استنفار حكومي وتحركات لمواجهة الأزمة
في ظل تفاقم الأوضاع، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية حالة الاستنفار في عدد من الأقاليم، مطالبًا بتكثيف جهود الإنقاذ وتوفير الدعم للمناطق المنكوبة. كما تم إرسال فرق طوارئ إضافية إلى المناطق المتضررة، ووضعت الوحدات الهندسية تحت تصرف السلطات المحلية للمساعدة في إصلاح الطرق المتضررة.
وأكد وزير الداخلية أن الحكومة تدرس حاليًا إعلان بعض المناطق كمناطق كوارث طبيعية، وهو ما سيسمح بصرف تعويضات استثنائية ودعم مادي عاجل للمتضررين، بما في ذلك المزارعون وأصحاب الأعمال الصغيرة الذين لحقت بهم خسائر فادحة.
أسباب العاصفة “دانا” وخلفياتها المناخية
بحسب الخبراء، فإن العاصفة “دانا” تمثل ظاهرة مناخية معروفة في شبه الجزيرة الإيبيرية تحدث غالبًا خلال أواخر الصيف أو أوائل الخريف، وتنتج عن التقاء تيارات هوائية باردة قادمة من الشمال مع كتل هوائية دافئة ورطبة قادمة من البحر المتوسط.
هذا التصادم يخلق أنظمة ضغط منخفض تؤدي إلى عواصف شديدة مصحوبة بأمطار غزيرة وعواصف رعدية وبرد كثيف، ما يرفع احتمالية الفيضانات والانهيارات الأرضية. ويشير العلماء إلى أن التغير المناخي قد يكون سببًا في زيادة حدة هذه الظواهر وتكرارها بوتيرة أسرع من المعتاد.
المجتمع المدني يتدخل: تضامن واسع ومساعدات عاجلة
في مواجهة الكارثة، لم تقف منظمات المجتمع المدني مكتوفة الأيدي، حيث بدأت جمعيات خيرية ومؤسسات تطوعية بتنظيم حملات تبرع وتوزيع مساعدات غذائية وملابس على العائلات المتضررة. كما أطلقت بعض الجمعيات حملات عبر مواقع التواصل لجمع التبرعات لضحايا العاصفة، وللمساعدة في إعادة إعمار المنازل والبنية التحتية.
وظهرت روح التضامن بين المواطنين الإسبان بشكل لافت، حيث قام بعض الأهالي بفتح منازلهم لإيواء الجيران الذين دمرت منازلهم، كما شارك متطوعون في تنظيف الطرق والساحات المتضررة.
رغم أن العاصفة “دانا” ليست الأولى من نوعها التي تضرب إسبانيا، إلا أن شدتها هذا العام تثير القلق، وتعيد إلى الأذهان فيضانات 2019 التي تسببت آنذاك في وفاة 7 أشخاص، وتشريد الآلاف. ومع تنامي الظواهر المناخية المتطرفة، يتوجب على الحكومات أن تضع خططًا طويلة الأمد للتعامل مع الكوارث الطبيعية، ليس فقط عبر الاستجابة الفورية، بل عبر تطوير البنية التحتية وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر.
وفي الوقت الذي تستمر فيه فرق الإنقاذ والجهات المعنية في مواجهة تبعات العاصفة، يبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى أصبح تغير المناخ واقعًا لا يمكن تجاهله؟ وهل ستكفي إجراءات اليوم لمنع كارثة الغد؟